أحمد محسن قاسم يكتب | مسئولية القطاع الخاص في مصر

0

بعد أن استقبل المجتمع المصري قرارات الحكومة المصرية بالتدابير الإقتصادية لمواجهة أثار أزمة فيروس كورونا والتي دعمت جسور الثقة بين الشعب ونظام الدولة، تعالت الأصوات الشعبية متسائلة عن دور رجال الأعمال والفنانين ومشاهير الرياضيين، لقيامهم بدورهم لمؤازرة الدولة في جهودها لأحتواء الأزمة، فبادر الفنانين بنشر مقاطع فيديو استعراضية، ليتنافسوا فيما بينهم في كفالة أعداد من أسر المحتاجين خلال فترة الأزمة، فإذا كان ذلك التحرك يعتبر محمودًا، ولكنه لايوجد ألية لمتابعة تنفيذه ونتائجه ومردوده على إحتياج الأسر.

على صعيد أخر قامت وزارة القوى العاملة ببحث سبل دعم قرارات تخفيض العمالة بشركات القطاع الخاص، وكيفية تقديم الدعم المادي لتتحمل الدولة مع القطاع الخاص جزءًا من الرواتب والأجور لأجازات الموظفين والعمال خلال اجازات تخفيض العمالة.
المتأمل لهذا التحرك من وزارة القوى العاملة لتقديم الدعم المادي للقطاع الخاص الذي يساهم فيها ذاته بنسبة 75% منها، بمعنى أن القطاع الخاص في الأصل مساهم بـ 75% من الدعم المقدم له من الحكومة، مما يعني أن الحكومة قد تحملت تكلفة دورتين إداريتين لتقديم هذا الدعم كدورة ثانية، وتحصيله من أموال الضرائب كدورة أولى، فضلًا عن اقتطاع ذلك الدعم من موازنة الدولة للعام الحالي، وذلك كله كان يمكن تفاديه في وجود منظومة تشريعية فعالة للمسئولية اللإجتماعية للقطاع الخاص مصاغة بحيث تضمن الإستدامة والفائدة المشتركة لكل من الدولة والقطاع الخاص، خصما من إيرادات الدولة الضريبية للعام المالي التالي، ودون اقتطاع من الموازنة الحالية.
بالنظر لأمثلة من الممارسات المتقدمة لشركات تتحمل مسئوليتها المجتمعية في أنظمة تشريعية أكثر تطورًا، فقد قامت شركة موقع فيسبوك بمبادرة دعم منظمة الصحة العالمية للتوعية والترويج لبيانتها من خلال إعلانات مجانية دون مقابل، بما يفيد المجتمع الدولي شعوبًا وحكومات، وتعزيز مكانة الموقع والتطبيق كمحرك للبحث ووسيط تواصل عالمي، مما دعم قيمة اسهمه بالبورصات العالمية بالإضافة إلى تعزيز مكاسب الشركة السياسية.
في مثل أخر للمسئولية المجتمعية المتقدمة قامت شركة هواوي بالفلبين بدعم فريق بحثي، بتقديم الدعم التكنولوجي، نتج عنه برنامج تكنولوجي لتشخيص الأصابة بفيروس كورونا وإتاحته للمستشفىات بالفلبين دون مقابل.
المتأمل لتلك الممارسات يجد أن تلك الشركات قد قدمت مساهمتها المجتمعية في صورة منتج تتميز به الشركة، قد أعطى قيمة مضافة لتجاوز الازمة ويحقق الفائدة والعائد لصالحها ولصالح المجتمع والدولة.
بالمقارنة بين الممارسة المصرية والممارسات الأخرى، يجد المحلل لتلك الممارسات فروقًا جوهرية تتمثل في إفتقاد الممارسة المصرية للإبداع والتأثير في حل المشكلات ومواجهة الأزمات والاستدامة للنشاط نفسه، لإفتقاد تلك الممارسات في مصر للعائد الاستثماري على الشركة ومعه أيضًا المجتمع والدولة، وهو الأمر الراجع للفلسفة التشريعية وراء منظومة المسئولية الإجتماعية للشركات.
على مستوى العالم، مرت فلسفة تشريعات المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص تاريخيًا بثلاث مراحل، أولهم مرحلة العمل الخيري ((Charity، وهي الممارسة ذات الطابع والمرجعية الدينية، ثم تلتها المرحلة الثانية المسئولية الاجتماعية للشركات ((CSR، والتي تستخدم فيها أعمال المسئولية الاجتماعية للدعاية والتسويق وتحسين صورة الشركة وإدارة المخاطر أو الاستخدام السياسي لمالكي الشركات، وتتسم بعدم الاستدامة لضعف المردود الاستثماري لها، لكونها لا تتعدى إطار المحتوى الدعائي وقت اللزوم فقط، ومع تطور مجتمع الأعمال والأنظمة التشريعية وصلت فلسفة المسئولية الاجتماعية إلى آلية صناعة الفائدة المشتركة (CSV)والتي تتسم بالاستدامة والابتكار والتأثير والفائدة المشتركة على الشركة والمجتمع والدولة.
على الرغم من نص الدستور المصري على التزام الدولة بتشجيع القطاع الخاص على تحمل مسئوليته الإجتماعية إلا أن المشرع المصري مازال محصورًا بفلسفته بين المرحلة الأولى والثانية من الفلسفة التشريعية لهذا النشاط.

* أحمد محسن قاسم، مدير مركز الجيل للدراسات السياسية والاستراتيجية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.