رامي جلال يكتب | أخلاق الفن وإيمان العلم
لا تضيعوا أعماركم بتقييم الفن بالتاريخ، والعلم بالدين، والسياسة بالأخلاق وأي شيء بمعايير لا تخصه. لا تخلطوا الأوراق لأن هذا لا يحدث إلا على طاولات القمار.
إذا أطلقنا العنان للتقييم غير الفني للأعمال الفنية فسوف نُجن، وربما سنتوقف عن متابعة الفنون كلها. فحين يغني محمد عبد المطلب “ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين، وعلشان أنول كل الرضا يوماتي أروح له مرتين”. فهو بالتأكيد غير صادق، فهو يحتاج إلى وقت معتبر في الزحام للذهاب مرة واحدة من السيدة إلى الحسين، فضلًا عن أنه سيعود بيته ليذهب مرة ثانية تبعًا للأغنية، وهذا سيجعل منه عاطلًا بلا عمل، مما سيبعد عنه حبيبه مع الوقت فيضيع مستقبله العاطفي.
كذلك الحال عندما غنت أم كلثوم من ألحان رياض السنباطي، وكلمات أحمد رامي (عربها عن الفارسي عمر الخيام) قائلة: “ما أطال النوم عمرًا وما قصر في الأعمار طول السهر”، فهذا خطأ طبي فج؛ لأن طول السهر وقلة النوم يسببان مشكلات صحية جمة تؤثر على العمر بكل تأكيد. وهذا الخطأ العلمي بسيط أمام أخطاء بشعة من عينة أن يظهر لك بطل الفيلم بشخصيتين متناقضتين لكل منهما حياتها الخاصة، ويكون تفسير ذلك في النهاية أنه مصاب بالفصام (الشيزوفرينيا)، وهذا عبث علمي لأن مثل هذا الحالات أندر من وجود “الدجاجة الزرقاء”. فضلًا عن حالات ضرب البطل على رأسه في أول الفيلم مما يفقده ذاكرته، ثم ضربه مرة أخرى عليها في آخره فتعود له ذاكرته الغائبة، طبعًا هذا قد يحدث مع “صواميل المخ” بالمعنى الحرفي، أما العقل البشري فلا صواميل له أو مسامير.
في الشعر العربي يقول “يزيد بن معاوية”: “يقولون عنكِ سوداء حبشية، ولولا سواد المسك ما أنباع غاليًا”، والبيت جميل لكن به خطأ “تجاريًا” فاضحًا؛ فالمسك لا يُباغ غاليًا لأنه أسود اللون بل لأن رائحته ذكية، وكان أولى بيزيد أن يستبدل الكحل بالمسك. (بالمناسبة هذه القصيدة نفسها بمعايير أخلاقية قد توصف بالفجور).
عمومًا، وبشكل عام، فإن القبح في الأعمال الفنية مهمًا بلغت شدته، قد يُستخرج منه جمال ما. والممكن تحويل القبح إلى منظومة تحقق مطلب جمالي فيما يُعرف بـ “جماليات القُبح”. لكن هذا موضوع آخر.
رامي جلال