د. شيرين الملواني تكتب : عن الطاقة في مصر
تهدف رؤية مصر ٢٠٣٠ إلى بناء اقتصاد متوازن؛ روحه التنافس في إطار تنمية مستدامة؛ وهذا لن يتحقق بدون محور الطاقة المتجددة كدور أساسي في ظل استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة حتى ٢٠٣٥؛ وهي مبادرة تُحسَب لوزارة الكهرباء والطاقة، والتي تسعى لتنويع مصادر الطاقة كما تحدد الشروط الضرورية لدعم نمو تلك المصادر وبمشاركة جميع القطاعات دون إقصاء أي قطاع.
بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها مصر في توفير الطاقة للسوق المحلية خلال السنوات الماضية إلا أن الدولة المصرية استطاعت تحويل الصعاب إلى فرص ومُكتسبات على أرض الواقع؛ من خلال الإجراءات والسياسات الإصلاحية بقطاع الطاقة؛ باستراتيجية تأمين الإمدادات ومنها إتباع نهج مرن ومنخفض لانبعاثات الكربون ؛ وهو ما يُعد التزاما كاملًا من الدولة كاستراتيجية وطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، ومنها ستتمكن البلاد من إدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة ؛من خلال تحاشي أية تأثيرات ضارة للطاقة على النمو الاقتصادي بتوجيه قطاع الصناعة نحو تقنيات ووسائل تحد من التلوث ومن ثم الحصول على جودة بيئية مع توفير حوافز مباشرة أكثر لمنتجي الطاقة المتجددة.
لعل مجال الكهرباء يعد نموذجًا معبرًا عن توجه ونجاح الدولة المصرية في الإدارة من خلال محورين مهمين؛ الأول توفير الطاقة اللازمة لعملية التنمية المطلوبة، وثانيهما التوجه نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة من خلال إطار عام لمفهوم الأمن القومي المصري الشامل؛ فقام قطاع الكهرباء والطاقة بوضع استراتيجية متكاملة تعتمد على تنوع مصادر إنتاج الكهرباء مع تعظيم الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة بالتوازي مع توسيع دائرة الربط الكهربائي على كافة المحاور ومن خلال التصنيع المحلي للمعدات والمهمات الكهربائية.
نأتي للنقطة الأهم ولكي تكتمل منظومة النجاح ؛فلابد من الإشارة لدور التحول الرقمي في قطاع الطاقة كحل ناجز لتحديات هذا المجال؛ منها تقلبات الأسعار وصعوبة توقع ذروة الطلب المحتملة وديناميكية العرض والطلب والتخطيط للمرافق التي تصاحب شبكات التوزيع وتوقعات العملاء المتطورة وصعوبة التكيف مع عدم اليقين العالمي بشأن المصادر الجديدة للمواد الأولية ؛ لذا فالتحول الرقمي الشامل واستخدام التكنولوجيا الرشيدة أمر حتمي ولابد منه؛ فالابتكار الرقمي وهو أحد الوسائل القليلة التي يمكن أن تتعامل مع التغييرات العميقة؛ من خلال مساهمة التحليلات التنبؤية في توقع المستقبل بشكل أفضل واستخدام البيانات لتحسين القرارات الحالية وتقليل التكلفة وزيادة العائد والسرعة التي يمكن من خلالها الاستجابة لمتغيرات السوق، كما هو عامل حاسم في القرارات القائمة على الذكاء الاصطناعي؛ فهي الأدق والأعلى فاعلية والأكثر كفاءة ؛من خلال تمكين متخذ القرار باستنباط سيناريوهات مستقبلية والتعامل مع الأزمات بشكل استباقي فيه الكثير من المرونة والضمانات ،والأهم أن المعرفة هي العملة المستخدمة في العالم الرقمي، وعنصرها الفعال لا يكمن في التكنولوجيا فقط؛ بل في العنصر البشري القادر على إدارة المشاريع الرقمية ،مدعوما بميكنة عمليات المراقبة وتشخيص المشكلات الميدانية، عن طريق ربط الأصول بتكنولوجيا الإنترنت والتي تتيح نقل بيانات بصورة لحظية من خلال حساسات دقيقة يتم نشرها ميدانيًا، ويتم ربط البيانات المستقلة من تلك الحساسات مع برمجيات التحليل بمعاونة الذكاء الاصطناعي لوضع تصور كامل عن كافة عمليات التشغيل والمساعدة في التخطيط الجيد.
ما تم إنجازه في مجال الطاقة السنوات الماضية يُعد معجزة؛ من حيث حجم الإنجاز وسرعة التنفيذ، وهو ما كنا نُعده درب من دروب الخيال، ولن تكتمل تلك المنظومة التي تُعد حجر الأساس في التنمية المستدامة وعنصر التأمين الكامل للأمن القومي المصري إلا بتفعيل الرقمنة؛ فالتحول الرقمي ضرورة وفرصة وتحدي في ظل الجمهورية الجديدة مع تنامي الاحتياج للعنصر التكنولوجي، وهو عنصر كفيل بتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة الغاز وبؤرة حية لتصدير الكهرباء، فهنيئًا لنا بمصر الجديدة.