محمد ماجد يكتب | الأزمة الروسية الأوكرانية
دخلت المواجهات الروسية الأوكرانية أسبوعها الثالث على التوالي، وقد تقدمت القوات الروسية بناءً على خطة من أربع محاور رئيسة هي محاصرة بعض المدن، محاولة منها تأمين حدودها ضد أفعال الغرب الاستفزازية من وجهة نظر موسكو، بداية من تزويد واشنطن كييف بمعدات وخدمات عسكرية خلال عام 2021، وارتفاع نبرة ضم أوكرانيا للناتو، حيث قامت روسيا بغزو أوكرانيا، دون أي نية لاحتلالها كاملةً، وتتخلص تلك الأهداف في ضمان السيطرة علي مصادر المياه العذبة للقرم، وبالفعل تم الاستيلاء علي مدينة “خيروسون” مصدر المياه للقرم، والهدف الثاني هو ضمان تواصل أرضي بين القرم والجمهوريتين المنفصلتين (دونتسيك، لوهانسك)، وهو ما تم بالاستيلاء على مدينة “ماريبول”، وضمان السيطرة على المفاعلات النووية الأوكرانية، وقد نجحت في ذلك، وأخيرًا ضمان حقوق الأقلية الروسية في المدن الكبري الثلاثة شرقي أوكرانيا وهم مدينة “خاركيف” العاصمة القديمة وكبري المدن الأوكرانية، ومدينة “دينبروبتروفسكي” الصناعية الكبري، ومدينة “أوديسا” الواقعة على البحر الأسود، حتي لا تصبح أوكرانيا بلا منافذ بحرية، ذلك بخلاف العاصمة “كييف”، فما يقع شرق النهر هو شرق أوكرانيا الذي قاربت روسيا من السيطرة عليه، أما الغرب فروسيا لا تريده ولا تطالب به، لأن سكانه ليسوا من أصل روسي، وهي فقط ستنزع سلاحهم وستجعلها منطقة منزوعة السلاح بين شرق أوكرانيا وبولندا ودول الناتو.
بتحليل الوضع الحالي نجد أن روسيا قد حققت معظم أهدافها وستستكمل الباقي منها، فضلًا عن البيانات الإعلامية في إطار الحرب النفسية التي قامت بها الحكومة الروسية طوال أيام القصف، وتشهد الفترة الحالية تراشقًا إعلاميًا بين الجانبين واتهامات متبادلة.
يرتكز الهدف الاستراتيجي العسكري الروسي في السيطرة الكاملة على إقليم “دونباس”، وإجبار المواطنين الأوكرانيين غير الموالين لروسيا والمتواجدين بالإقليم على النزوح غربًا تجاه “كييف”، وبما يؤمن قرار إعلان جمهوريتي (دونتيسك، لوجانسك) دولتين مستقلتين موالين لروسيا وتصبحها ذات حدود دولية مؤمنة في الإقليم، وربما يستهدف الرئيس الروسي أيضًا لإعلان انضمامها لاحقًا للاتحاد الروسي بجانب “القرم” التي تم ضمها للاتحاد الروسي، وبنجاح القوات الروسية في تحقيق هذا الهدف، تتأثر خطط الناتو بشدة في البحر الأسود، ويتلخص الهدف الاستراتيجي السياسي بسرعة حسم العمليات العسكرية على كافة المواجهة والأعماق، واستسلام القيادة السياسية والقوات العسكرية الأوكرانية، والذي يمكن أن يتحقق من خلال تغيير النظام الأوكراني الحاكم، سواء من خلال إجبار الرئيس الأوكراني على الهروب لأحد دول أوروبا، أو إجباره على تغيير سياسته تجاه روسيا.
بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوربي والناتو عن فرض عقوبات على روسيا، فلا يستطيع أحد التكهن بالتداعيات التي يمكن أن تحدث في حاله إقدام الرئيس الروسي على فرض عقوبات مضادة يمكن أن تشمل قطاع الطاقة، وإنعكاس ذلك خاصة على الأوضاع في أوروبا، التي تعاني أزمة طاقة طاحنة لم تتطرق إلى مختلف أبعادها وسائل الإعلام الغربية، خوفًا من إشاعة القلق لمواطني دول أوروبا، ومن ناحية أخرى تحسبًا لاستغلال روسيا ورقة الغاز والضغط على الإتحاد الأوروبي، ورغم ذلك جاء تصريح شركة غازبروم الروسية استمرار ضخ الغاز في خط أنابيب نوردستريم 1 إلى أوروبا بشكل طبيعي.
قد تشهد الأزمة الحالية المزيد من التدهور لتفتح المجال لتطورات أكثر خطورة سيكون لها انعكاسات هائلة على مجمل الأوضاع العالمية خاصةً وأن قضية تمدد الناتو وتوسعه شرقًا والاقتراب من الحدود الروسية، كانت محل تحذير من عواقبه من قِبل عدد من كبار المسئولين في الخارجية الأمريكية والبنتاجون، وكذلك من قِبل بعض الدول الأوربية الاعضاء في الناتو، فقد غاب عن واشنطن أن الأزمة هي قضية أمن قومي روسي، وأن استقلال الأقاليم الانفصالية وارتباطها بروسيا سياسيًا ودفاعيًا حقق جزء من الهدف، تم استكماله بعمليات القصف الروسي للبنية العسكرية والتكنولوجية في أوكرانيا، مما يضع شبكة نقل الغاز بكاملها تحت السيطرة الروسية، ويتيح فرصة إسقاط نظام حكم زيلينسكي الموالي للغرب، وتنصيب نظام حكم تابع لموسكو، وهو ما يعتبر ردًا على تغذية الغرب للثورة البرتقالية عام 2004 والإطاحة بنظام الحكم الموالي لموسكو.