أكرم سالم يكتب | حقائق عن الإدارة المحلية
يُجمع الفقه الإداري على أن قيام التنظيم الإداري على أساس الأسلوب المركزي وحده أمر لم يعد يتلاءم مع اتساع مجالات نشاط الإدارة في الدولة المعاصرة، لذا ينبغي أن تعهد إدارة المرافق المحلية لمناطق محددة إلى هيئات محلية منتخبة تشاركها العبء. والسمة المميزة لهذه الهيئات هو الاستقلال النسبي وتمتعها بالشخصية المعنوية، أي أنها يجب أن تكون تحت إشراف الحكومة المركزية ورقابتها.
لعل من أهم أسباب ظهور نظم الادارة المحلية هو ازدياد وظائف الدولة وتنوع أساليب الإدارة تبعًا للظروف المحلية، وأن الإدارة المحلية أكثر إدراكًا للحاجات المحلية، إضافة إلى الأخذ بأنظمة الحكم الديمقراطية، إذ أن الديمقراطية المحلية هي أهم مقومات الديمقراطية الشاملة.
لكن هذا لا يعني أنه ليس هنالك من مساوئ وسلبيات للإدارة المحلية فقد ينتج عنها في بعض المجتمعات والدول بعض الصراعات العنيفة والنزاعات انطلاقًا من التنافس على الموارد وإشكالية توزيعها، وتغليب الصالح المحلي الضيق على الصالح العام، وغيرها.
لذا لابد من التأكيد على اهمية الرقابة المركزية للحكومة وعدم غياب او تراخي اشرافها بمرور الزمن ، لئلا تنقلب بعض الوحدات المحلية خطرا ووبالا على وحدة الدولة وتؤدي الى تفتيتها ، وبخاصة عند توفر بعض الظروف والدوافع السياسية او العرقية او ما شابه .
كذلك فإن للإدارة المحلية وظيفة مهمة في التنمية الاجتماعية تتجسد في اشراك المواطنين المحليين وتعاونهم وتوعيتهم وتثقيفهم على اتباع المفاهيم والقيم الديمقراطية في البناء والعمران، وفي تدريبهم على أساليب الحكم الحديثة.
ماتزال الإدارة المحلية في بلداننا النامية غامضة ملتبسة لدى قطاعات واسعة من الناس فكل يفهمها بطريقته الخاصة ووفقا للتأثيرات المتباينة التي يخضع لها، غير مبال بالأبعاد المتشابكة لهذا الموضوع الحيوي، ولا بتفاصيله وتطبيقاته المهمة، ومبعث ذلك وجود التداخل الاداري السياسي وبخاصة بين بعض المفاهيم والتطبيقات.
قلة خبرة الشعوب النامية بهذا القطاع الإداري اللامركزي المهم وبخاصة شعوبنا العربية ترجع الى عدم تلمس ميزاته وخصائصه ومكاسبه الاقتصادية والاجتماعية والادارية. فإضافة إلى سريان قوانينه المتأخر في دولنا إلا أنه لم يتخذ المسار التطبيقي المتكافئ مع النصوص، وفوق ذلك لم تتول مجالسه قيادات أو كادر محلي شعبي متمكن و منتخب فعلًا من بين صفوف السكان المحليين بل كان أغلبه شكليًا هشًا، إذ كان حكام العواصم يصرون على المركزية الصارمة لسلطاتهم، وإهمال الوحدات المحلية ومتطلباتها وخدماتها وشؤونها لتواجه وحدها تصورات واهواء المحافظين ورؤساء الوحدات الآخرين واغلبهم من العسكر أو من أهل الثقة.
إضافة إلى النزر القليل من التمويل المركزي مع الرقابة المركزية الشديدة، حتى صارت تلك الوحدات والمجالس المحلية الشكلية تنتظر منحة الحكومة السنوية بحال يرثى له ويبعث على الحيرة والمرارة، وهي لا تكاد تكفي رواتب الموظفين المحليين. وذلك ما يفاقم احباط المواطن وزعزعة ثقته بالحكومة التي ينحسر إسهام ودعم ومشاركة المواطن بخططها وبرامجها التنموية نتيجة لكل ذلك. وهذه من سمات التخلف ومن متلازماته الملموسة في بلدان العالم الثالث.
هذا جانب من الأمور الجوهرية التي رافقت الادارة المحلية التي تعتبر من موضوعات الساعة دائمًا وأبدا حيث شغلت وجلبت انتباه الناس والمجتمعات والحكومات على مر العصور وهي في الوقت الحاضر موضع اهتمام العديد من الباحثين.