زكريا كردي يكتب | ما هو الإبداع؟

0

مُقدمة طويلة لسؤال قصير قابل للمناقشة: ما هو الإبداع؟ متى نقول على منجزٍ ما، أنّه منجز ابداعي صرف؟ ثم هل لفعالية المنجز الابداعي مدة محدودة أو أجل مسمى؟ وهل ياتُرى من الممكن أن ينطفئ مرجل الابداع – حينًا ما – في ذات الإنسان، أو ينتهي أثره في مناحي الواقع مع مرور أحيان الزمن؟..

الابداع – كما أفهم – هو أمرٌ مبتكرٌ، يحدثُ حين يعمل الفهم بأقصى طاقته في شأن من الشؤون المُدرَكة، التي تمسّ كافة مناحي الحياة الانسانية والطبيعية.
و هو – في تقديري- أمرٌ ضروريٌ جدًا، لتقدّم نشاط الوعي الانساني بالذات والواقع، وكذلك لكونه يتضمن – بالضرورة – حلولًا جديدةً لمُشكلاتٍ مطروحة، سواء في المجال النظري أو الواقع العملي..
والفعل الإبداعي -كما أعتقد – هو فعل لمّاح وألمعي، تأتي به -بالطبع – قلة من الافهام الذكية المُميّزة، التي يجب ان تمتلك بالضرورة قدرات ومواهب معينة، تتوافق و المجالات المختلفة التي تتم فيها مرامي الابداع ..
لقد رأى بعض المفكرين، أن الابداع يبدأ من معرفة الذات قبل أي شيء، في حين أضاف أخرون، أنه قدرة العقل على تكوين وإنشاء علاقات جديدة في الفهم، من اجل مواجهة الواقع وخطوبه المختلفة..
وأما عن كيفية حدوث انبثاقة الفعل الإبداعي، فإن هناك قاعدة أساسية في الفكر، مفادها أنّ العمل الذكي و تراكم خبرات التجارب، يوجد كثير الاحتمالات .. ثم يقوم الذهن من خلال الحدس العقلي المبدع باختيار الاكمل منها ..وهكذا ..
و جديرٌ بالذكر، أنّ الذكاء والإبداع هما أمران مُتلازمان على نحو من الأنحاء، فكلّ مبدع ذكي حتمًا، ولكن ليس كلّ ذكي مبدع بالضرورة.. منذ فترة ليست ببعيدة، قفز إلى خلدي تساؤل واسع الأرجاء والدلالة، حول امكانية وظروف موت الحس الابداعي لدى فرد ما، أو أمة ما ,,
وهل ياتُرى يحصل هذا الأمر، هكذا بسهولة، و دفعة واحدة في كل مجالات الابداع، سواء الثقافي او العلمي او ما الى ذلك؟ بالطبع نحنُ نعلم انّ للعلم سمات كثيرة، من أهمها : “الدقة” و “التجريد” والتعميم” و سمة “التراكمية”..و …و، .
ونعلم جيدًا، أن النظريات العلمية تستند إلى بعضها بعضًا، وتتراكم مع الوقت، رغم تمسك الذهن العلمي بميزة التفنيد والدّحض دائمًا، على خلاف المعتقدات والنظريات الغيبية. التي تركن إلى الوثوقية في التفكير، وإلى اليقينات المطلقة.
إذ تحتفظ النظريات العلمية التي يثبت خطؤها، أو تمَّ تجاوزها تمامًا عبر التجريب بأهميتها التاريخية فقط .. فلولاها لما جاءت النظريات اللاحقة، التي صححتها أو ربما تلتها في إثبات مصداقية ما، او اعطاء يقين معين، ولو كان مؤقتًا .
كما نعلم أيضًا أنّ الابداع الذي لايحمل طابعًا كليًا، او حقائق كليّة عامة، لا يمكن له أنْ يبقى أو يدوم طويلًا.. او لنقل لنْ يستطيعَ الصمود أمام إنسراب مياه مَجرى الحياة، وتغيّرات الواقع اللامتناهية ..
ناهيك عن دور الآخرين، و دور سطوة البيئة الاجتماعية المحيطة في قتل الإبداع، وسحق بذوره الطرية في تربة الأفهام الذكية في المجتمع، فكما يُقال: يمكن لأي أحمق ومُتسلط في هذا العالم أنْ يقتلَ الأفكار الإبداعية للآخرين، بمُجرّد امتلاكهِ ثلاثة أسلحة رئيسية.. :
الحَسَدْ، والغَبَاء، والسُلطة المطلقة على مَعاش الأذكياء.
أخيرًا: كل تلك الأفكار والاسئلة أعلاه، إنما هي ومضات فكرية لأسئلة أولية، غير منجزة تمامًا، تدور في ذهني، أو لنقل هي مُنعرجات لازمة لدروب الدّهشة المُستوطنة في براحِ عاقليتي.. والتي تفتح بدورها أبوابَ فكري، على مغاليق أسئلة لا تتوقف ولا تنتهي.
لن أدّعي بالقطع، أنه بالإمكان الإجابة عنها جميعا دفعة واحدة، لكن حتمًا ستكون هناك إضافات هامة لأفهامنا سوية، وبخاصة، إذا ما فكرنا معًا ..بصوتٍ مكتوبٍ رَصين، جادٍ وحرّ.
لست بشاعرٍ، ولكن سأقول لكم جوهر فكرتي، من فيض الخاطر لدي نثرًا: لا خيرَ في احوالِ الدُنى.. إذا لمْ يكنْ فيها ..إبداعُ خلقٍ و تَحسينُ.. ففي سكونِ الرّوعِ ..موتٌ حقيقٌ.. وفي التجديدِ ..إصلاحٌ وتَمكينُ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.