ريم شطيح تكتب | الإبداع والنجاح وليد شخصي

0 620

في المجتمعات العربية، تنطلق فكرة البحث الدائم عن داعِم للنجاح أو مُسبِّب للفشل على الصعيد الشخصي للأفراد (ما بعد الزواج)، لفكرة النظرة للزواج أساسًا بشكل عام على أنه الطموح الأعلى والانجاز الأهم سواء للمرأة أو للرجل (عقبال الفرحة الكبيرة/الزواج) الذي يعقب أي نجاح أو إنجاز على أي صعيد! فما انْ يتزوج أحدهم ويجتهد لتحقيق طموح ما (آخَر غير الزواج) إلاّ ويبدأ المجتمع بربط أي نجاح لأحدهم للآخر، وكأنما هذا الشخص لو كان من دون زواج لما كان حقّق ما حقّقه وهذا خطأ فادح يقع فيه الكثيرون ممّن ينظرون سواء للآخرين هكذا أو لأنفسهم.

الحقيقة تقول عكس ذلك تمامًا، فالإنسان الحر غير المرتبط بزواج أو مسؤوليات عائلية تكون فرص تحقيق طموحاته ونجاحاته أعلى بكثير منها ما بعد الزواج، فالمرأة غير المتزوجة – المتفرّغة مثلًا – لنفسها وللدراسة والعمل والصعود درجة فوق درجة في سلّم النجاح وكل جهدها وتفكيرها في هذا، غير المرأة المتزوجة ولديها أولاد ومسؤوليات عائلية وجهدها ووقتها وتفكيرها يتوزّع بين كل هذه الأعباء، فإذا ما أرادَتْ وصمّمَتْ على خوض تجربة لتحقيق طموحاتها الأساسية؛ فإنها تقع تحت ضغوطات لا يُستَهان بها للتوفيق بين كل هذه الأعباء لتستطيع العمل على نجاحها سواء المهني، العملي، أو العلمي.
الشيء ذاته قد ينطبق على الرجل إلاّ أنّ الرجل لا يعاني كما المرأة من الضغوطات المجتمعية والموروث الثقافي العربي، كما لا يحمل أعباء الحمل والولادة وما بعدهما (أي لا يعترض هذا طريقه). بينما تحمل المرأة أعباء كثيرة وصناعة حياة جديدة لها في ظل نظام أبوي ذكوري امتدّ لقرون طويلة والمرأة فيه مُضطهَدة شبه مُستَعبَدة، ومع هذا هي ما زالت ولاّدة للإبداع وسند للرجل وركيزة للمجتمع والأصل في خلق حياة في ظل معظم الظروف من حروب وغيره.
فبالمقارنة، هناك فرق كبير بين رجل مُتفرّغ لعمله، لدراسته، أو لفنّه ومجتمع على الأقل لا يحاربه، وبين امرأة تُنجب وتُربّي وتخدم الرجل وتتحايل على الحياة لتُنقِذَ نفسَها من المجتمع ومن أحكامه فكيف وأن تصنع لنفسها كيانًا مهمًا وتنجح ليس فقط مهنيًا بل وفكريًا وإبداعيًا أيضًا.
لكن مجتمعاتنا العربية لا تقتصر على محاربة الناجح؛ بل أيضًا تميل بشكل عام ومحاولة دائمة لإيجاد سبب أو مبرر لنجاح شخص ما فترى البعض منشغلين بالبحث عن تفاصيل ومبررات نجاحه أكثر من النجاح بحدّ ذاته والإنجازات التي حقّقها وخاصةً المرأة علمًا أنّ المبدعات تحديدًا واللواتي تركن بصمةً حقيقيةً في المجتمع والتغيير صنعن هذا لوحدهن بفكرهن ومجهودهن وذكائهن وغالبًا حوربن أو هُمِّشن من العائلة والمحيط قبل المجتمع.
من هنا لا بل من القول إنه ليس بالضرورة أن يكونَ أحد وراء أحد لينجح أو ليُبدِع؛ فالإبداع وَليد شخصي مُنفرِد وليس نتيجةً لحدَث أو ظروف أو أشخاص، ولا يُعطى هديةً من أحد، تمامًا كما هي الحرية تُؤخَذ ولا تُعطى.
إنّ الطموح الفردي للشخص صاحب مشروع تنويري أو الإبداع الفِكري مثلًا عند المُفكِّر والكاتب هو نِتاج مَلَكته الثقافية ومحصوله المعرفي الذي يخصّ شخصيته وفِكره الخاص ومستوى ذكائه وليس موضوع تفاوُض أو اشتراكًا أو نِتاجًا لعلاقة أو حتى وراثةً. فالكثير من المبدعين والمُفكِّرين والعلماء عاشوا لوحدهم تمامًا وأبدعوا فَنًّا وفكرًا وعِلمًا غيّرَ العالم، وقد يُعطي المبدع أكثر حين يكون وحده من دون ضغوطات ومسؤوليات أخرى أو مؤثّرات عائلية وغيره، فليس بالضرورة وجود دعم عائلي لنجاح شخص وإبداعه وخاصةً المرأة، مع هذا فإنّ الإبداع في مجتمعاتنا تحصده الأسرة بإيجابيته، ولكن يقع غالبًا الفشل على الشخص وحده.
إنّ المبدع/ة، الناجح/ة، أو العظيم/ة بفكره/ا وإبداعه، رجلًا كان أو امرأةً، لا يحتاج لأحد ليقف وراءه لينجح وليكون عظيمًا؛ العظيم عظيم بنفسه وبأفكاره وبإنتاجه الإبداعي وبأثره الإنساني الهام الذي يتركه في المجتمع والآخرين. فيا أيتها النساء في كل مكان، جيد أن يوجد بعض الدعم ولكنه ليس شرطًا، المرأة قادرة على فعل الكثير وتغيير واقعها إنْ أرادتْ وليست دائمًا بحاجة لمباركة ودعم المُقرَّبين سواء رجل أو أسرة… اجتهدي لتغيير وتحسين واقعكِ ليس لأجلكِ فقط؛ بل لأجل المجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.