محمود شقير يكتب | أدب الأطفال والتشجيع على القراءة
يعتبر الاهتمام بأدب الأطفال والتشجيع على القراءة بادرة طيبة اتسع مداها في عدد من الأقطار العربية في السنوات القليلة الماضية؛ غير أن نظرة فاحصة على واقع أدب الأطفال في هذه الأقطار، وعلى مدى إقبال الأطفال على القراءة خارج المنهاج الدراسي، تحيلنا إلى حقيقة الوضع المؤسف الذي تجتازه مجمل الأقطار العربية، في بدايات القرن الحادي والعشرين.
ذلك أن ثمة شبه إجماع من المفكرين والمعنيين بالشؤون الثقافية والفكرية، ومن المحللين السياسيين، على أن العرب ما زالوا يراوحون في مكانهم عند تخوم الحداثة، وفي بعض الأحيان تشهد بعض أقطارهم نكوصاً عمّا تحقق فيها من بعض مظاهر التقدم والارتقاء، في حين تقفز أقطار أخرى في العالم قفزات سريعة على طريق الأخذ المعمق بكل أسباب الحضارة الحديثة ومنجزات العلم والتكنولوجيا.
في هذه الحالة، فإن ضعف الإقبال على القراءة في ميادين العلم والثقافة والأدب والتاريخ وغير ذلك من معارف، إنما يؤكد حقيقة أن هذا الضعف لا يعود لطبيعة لاصقة بنا، وإنما هو ناتج عن عوامل لا يستطيع العاملون في حقل أدب الأطفال وثقافتهم، أن يعدّلوها أو يتجاوزوها بجهودهم وحدهم، وإنْ كانوا قادرين على هذا النحو أو ذاك، على إحداث بعض التحسينات في مجال تخصصهم الضيق، لأن الأزمة الحضارية التي تجتازها أمتنا، ما زالت تعصف بنا، ولا نلمس جهوداً ملموسة جادة لتجاوزها أو للتخفيف من آثارها، كما أن التردد، إن لم أقل العزوف، عن السير المتبصر على طريق الحداثة والعصرنة، ما زال هو الداء الذي يطبع حركتنا بطابعه، وإن الاعتماد على الذات، والإعلاء من شأن العقل واحترام العقلانية في كل شأن من شؤون حياتنا ما زال هو الغائب الأكبر في حياتنا الراهنة.
في ضوء هذه الصورة المرتبكة، يأتي مسح؛ اطلعت عليه قبل سنوات، لواقع أدب الأطفال وتشجيع القراءة في خمسة أقطار عربية هي الأردن، فلسطين، لبنان، مصر وسوريا، في وقته المناسب، كي لا أقول إنه جاء متأخراً سنوات عدة، فأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً كما يقال.
لعل أولى ميزات هذا المسح أنه يعطينا صورة واقعية عن واقع الحال، فلا نقع في الأوهام بحيث نتصوّر أن أدب الأطفال وواقع القراءة في بعض بلداننا هو في أبهى صوره. ولا نقع في الوقت نفسه في قبضة التشاؤم؛ بحيث يذهب بنا هذا التشاؤم حد القول إنه لا يوجد أدب أطفال جدير بالانتباه إليه في بلداننا العربية، وفعل القراءة ليس معدوماً لدى قطاعات واسعة من الكبار فقط وإنما لدى الصغار كذلك. هذا المسح يجعلنا بطريقة أو بأخرى أقرب إلى احتذاء الموقف الذي كان يعتصم به بطل إميل حبيبي في روايته “المتشائل”، فلا هو متشائم على نحو كامل، ولا هو متفائل على نحو كامل، وإنما هو متّبعٌ موقفاً وسطاً بين الموقفين.
لعل ثاني ميزات هذا المسح؛ أنه بتشخيصه للحالة الراهنة في حقل أدب الأطفال وتشجيع القراءة، يحفزنا على إيلاء اهتمام أفضل بهذا الحقل، بعد التعرف على تفاصيله أو على بعضها، وبعد رفعه من مجال التهميش وقلة الاهتمام إلى مجال البحث والاستقصاء، تمهيداً لوصف العلاج بعد تحديد الداء.
لعل ثالث ميزات هذا المسح؛ أنه يضعنا مباشرة بعد استقصاء واقع الحال، أمام مسؤولياتنا تجاه أدب الأطفال وتشجيع القراءة، بغض النظر عن مواقعنا التي نشغلها، سواء أكان ذلك في مواقع الحُكم والقدرة على اتخاذ القرار، أم في مواقع مؤسسات المجتمع المدني، أم في المدارس والنوادي والروابط والنقابات والمنتديات والمؤسسات الثقافية على اختلاف أنواعها. فإنْ لم نضطلع بهذه المسؤوليات التي تترتب على هذا المسح، فسوف تظل الحال الراهنة تتفاقم من سيء إلى أسوأ، أو ربما قد تظل تراوح في المكان نفسه أو تتزحزح قليلاً نحو الأمام، وهو الأمر الذي لم يعد يكفي في ظل التقدم السريع الذي تحرزه شعوب أخرى في هذا الحقل المعرفي وفي غيره من الحقول.