فهمي الكتوت يكتب | الحرب على الإرهاب

0

مرَّ الوطنُ العربيُّ بتجارب متعددة خلال الحقبة الماضية، إلا أنَّ أيًّا منها لم يصل إلى مُبتغاه؛ سواء كانت أنظمة تقليدية أو حديثة؛ فالتجربة الليبرالية التي شهدتها بعض الأقطار العربية بعد الاستقلال السياسي تجربة مُتواضعة لم ترق لمستوى الدولة الديمقراطية. أما أنظمة الحزب الواحد، التي جاءت على خلفية حركات التحرر العربي كالتجربة الناصرية في مصر واليمن، وتجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق، والتي حملت مشروعًا قوميًا وحدويًا، إلا أنَّها لم تول قضية الدولة الديمقراطية المدنية اهتمامًا، ولم تكن هذه القضية في صلب برنامجها. وحتى تجربة الجزائر وجنوب اليمن التي جاءت بعد ثورات وطنية مسلحة ضد الاستعمار، انتهى بها المطاف إلى أنظمة سلطوية لا تستند إلى صناديق الاقتراع. وبقي الوطن العربي يتغنَّى بالتجربة اللبنانية؛ باعتبارها واحة للحرية والديمقراطية في عصر الأنظمة الاستبدادية، تعيش الآن في ذروة أزماتها، عاجزة مؤسساتها الدستورية وأدواتها الحزبية الطائفية حتى عن انتخاب رئيس للجمهورية بفضل التدخل الخارجي وعقم النظام “الديمقراطي” الذي يستند إلى تعددية سياسية وفق التقسيمات الطائفية.

إنَّ الخروج من الأزمات المركَّبة التي يعيشها الوطن العربي بالدولة الديمقراطية المدنية التي أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقتٍ مضى؛ لإعادة اللُّحمة للنسيج الاجتماعي بين مختلف مكونات الدولة، مع مراعاة خصائص واحتياجات المجتمعات المحلية، بعدم استنساخ التجربة الرأسمالية التي أفرزتها الثورة البرجوازية على أنقاض الإقطاع، والتمسك دُستوريا بمبدأ الأمة مصدر السلطات وإلغاء الحكم المطلق عبر العقد ألاجتماعي؛ لتشكيل نواة الدولة المدنية، على ألا تتوقَّف الدولة الديمقراطية عند الحقوق السياسية والدستورية، بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان وإن كانت أساسية، لا غنى عنها، بل هي المدخل الحقيقي للوصول إلى الديمقراطية الاجتماعية. وتجربة دول أمريكا اللاتينية ماثلة أمامنا؛ حيث شكَّلت صناديق الاقتراع مدخلا للديمقراطية الاجتماعية وللدولة المدنية، دولة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في مواجهة السلطة الديكتاتورية العسكرية، والطبقة الطفيلية التي ارتبط وجودها بمصالح الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات، وأخضعت شعوب بلدانها الى املاءات صندوق النقد والبنك الدوليين.

فالدولة الرأسمالية وسيلة سياسية لمصالح الطبقة المسيطرة اقتصاديًّا. وكما نرى في البلدان الرأسمالية، فإن الأحزاب البرجوازية تمارس تداول السلطة، لكنْ بين أحزاب البرجوازية، علما بأن الغالبية العظمى من المواطنين الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات من الفئات المتضررة من الاحزاب المتناوبة على الحكم. إلا أنها لا تستطيع إيصال ممثليها الحقيقيين. وذلك لدور رأس المال في استثمار نفوذه المالي والسياسي التي تتيح له الإبقاء في السلطة، وتمكنه من احتواء بعض الحركات النقابية والسياسية. وأخيرًا. كسر حزب سيريزا القاعدة في اليونان بعد إفقار اليونانيين، مُتسلحا ببرنامج اقتصادي اجتماعي يعبر عن مصالح الفقراء والكادحين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.