عماد رؤوف يكتب | مستقبل المدفوعات الرقمية

0

في ظل الثورة التكنولوجية الرابعة يستطيع ملايين المستخدمين حول العالم إجراء عمليات الشراء عبر الإنترنت وتحويل الأموال واستلامها وسحبها كل ذلك في غضون لحظات، فبالإضافة إلي تقنية البلوكشين التي أتاحت العملات الرقمية فقد أنتشرت الخدمات المصرفية المفتوحة والمحافظ الإلكترونية والمدفوعات عبر الهاتف المحمول والبطاقات مسبقة الدفع. وهكذا أصبحت تلك النماذج الرقمية أكثر الطرق التي يفضلها المستخدمون حول العالم بسبب السرعة والسهولة. في السطور القليلة القادمة سنتحدث عن أهم ملامح المستقبل وكيف ينعكس التطور التكنولوجي علي صناعة المدفوعات.

1. مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) وانتشار الخوارزميات التي تعتمد بشكل أساسي على البيانات، فإننا نجد أن المؤسسات المالية بدأت تستخدم هذه التقنيات لأتمتة العمليات وإكتشاف عمليات الإحتيال، والحقيقة أن قدرة هذه التقنيات الحقيقية تمتد إلى ما هو أبعد من هذه الوظائف البسيطة، فيمكن للأدوات المدمجة في تقنيات الذكاء الاصطناعي قراءة سجل عمليات العملاء – بما في ذلك عمليات الشراء والإنفاق- وتحديد نمط الاستهلاك بل والتنبؤ بنشاطهم المستقبلي، وأيضاً يمكن لهذه الأدوات أن تقترح على كل العميل طريقة الدفع المثالية التي تتناسب مع نمط استهلاكه.

ليس هذا فحسب فقد أصبحت تقنيات معالجة اللغة (NLP) والتي يتم تنشيطها بالصوت إحدى طرق إتمام المعاملات والدفع، فأنت تستطيع أن تشتري مستلزماتك اليومية وتقوم بالدفع ويتم توصيلها إلي باب شقتك وكل ما عليك فعله هو أن تطلب فقط من جهاز أمامك ربما يكون هاتفك المحمول. ومن ناحية تأمين المدفوعات تعمل تقنيات الصوت أيضاً كجزء من أنظمة معالجة المدفوعات حيث تقوم البصمة البيومترية للصوت بالتحقق الذكي من المستخدم. وفي المستقبل سوف تنمو هذه التطبيقات مع تطور التكنولوجيا.

2. البيانات هي البترول الجديد واستخداماتها لا حصر لها، فقد بلغت قيمة سوق صناعة تحليل البيانات حوالي ٢٧٤ مليار دولار، فعن طريق تجميع البيانات وتحليلها يتم تحديد سلوك تسوق العملاء وأنماط الاستهلاك، وأيضاً استهداف الإعلانات وتقديم توصيات بالمنتجات التي قد يفضلها المستخدم. وبالفعل فإن الشركات عمالقة التجارة الإلكترونية يستخدمون البيانات لاستهداف المشترين من أجل زيادة المبيعات عن طريق الخصومات المخصصة والعروض الشخصية.

وفي المقابل في البنوك والهيئات المالية الأخرى تتباطأ سرعة تطبيق هذه التقنيات في هذا المجال. ولكن في المستقبل سوف تقوم البنوك بتحليل بيانات مشتريات العملاء والتوصية لهم بمنتجات بنكية مختلفة. وسيتمكن موظفو القروض من مراقبة نشاط كبار المقترضين واقتراح منتجات جديدة لخفض المخاطر وتكاليف الإقراض. وستقوم شركات التأمين بحساب المخاطر لعملائها بناءً على سجل المدفوعات السابقة وما يكتبونه علي وسائل التواصل الاجتماعي.

3. في السنوات الماضية زاد استخدام آليات الدفع عبر الهاتف المحمول للتسوق عبر الإنترنت بشكل واضح، والحقيقة أننا نجد أن متوسط الوقت الذي يقضية المستخدم في استخدام الهاتف المحمول الذكي أكثر من 4 ساعات كل يوم. وليس بالغريب أن منصات التواصل الاجتماعي أضافت خاصية “شراء” لإتمام عمليات الشراء المباشرة بنقرة واحدة للمنتجات التي يعرضها المستخدمون الآخرون علي تلك المنصات.

ولم يتوقف استخدام الهواتف عند المدفوعات للمشتريات الالكترونية بل مع التطور السريع للتكنولوجيا المالية (FinTech) أصبح في استطاعة المستخدمون إدارة الأموال وتحويلها وإرسالها واستلامها في لحظات. وستصبح محافظ الهاتف المحمول والبنوك الرقمية فقط (neobanks) أكثر واقعية مع تلاشي التعقيدات القانونية، وخير مثال على ذلك بنك Chime وهو “نيوبنك” في الولايات المتحدة تأسس في العام 2013 ويضم أكثر من 5 ملايين مستخدم.

4. عنصر مهم في التجارة الدولية هو المعاملات المالية العابرة للحدود والتي كانت ومازلت بطيئة ومكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً بسبب صعوبات العملة الصعبة والتعقيدات الحكومية، الأمر الذي وصل في بعض البلدان النامية أن عملية فتح حساب بنكي تحولت إلي كابوس بيروقراطي، هذا كله شجع رواد الأعمال والمبتكرين على إيجاد طرق بديلة لتبسيط أنظمة الدفع الدولية. وها نحن الآن نشهد ثورة العملات الرقمية والفضل يرجع إلي تقنية البلوكشين (blockchain)، حيث أصبحت البيتكوين وأكثر من 3000 عملة مشفرة أخرى حول العالم هي الحل العملي للعملات غير النقدية “العابرة للحدود” نظرًا لطبيعتها اللامركزية واستقلاليتها وسرعة وسهولة إنتقالها عبر الحدود. وتعمل الشركات المتعددة الجنسيات علي إصدار عملاتها الرقمية هي الأخري، وقد زلق بنك باركليز واتش بي سي مشاريع تجريبية مبنية علي تكنولوجيا البلوكشين تهدف الي تسريع المدفوعات الدولية، وهناك أكثر من ٥٠٠ شركة مالية حول العالم تعمل علي الاستفادة بالبلوكشين في تعزيز المعاملات المباشرة (B2B) بين الشركات.

في المستقبل القريب ستدرك الدول والحكومات الحاجة إلى إصدار عملتها الرقمية الوطنية المدعومة من الحكومة لتصبح بديلاً عن العملات الورقية أو البلاستيكية التقليدية وستقوم البنوك المركزية بعمليات التعدين وحفظ السجلات لهذه العملات وتحديد سعر الصرف بناءاً علي سياساتها النقدية.. وستعمل البنوك على تحسين عملياتها عبر الحدود من خلال استخدام تطبيقات الوقت الفعلي .(real-time)

5. بشكل واضح نجد أن شركات التكنولوجيا العملاقة بدأت تأخذ دور شركات الائتمان والمؤسسات المالية، وفي المستقبل القريب سنشهد تحول بعض البنوك متوسطة الحجم لتأخذ دور شركات التكنولوجيا من خلال تطبيق وسائل دفع رقمية بنماذج أعمال تتمحور حول العملاء. كما سنشهد تحالفات اقتصادية بين مجموعة من البنوك وشركات التكنولوجيا المالية (Fintech) لتقديم مظلة أوسع من الخدمات، تشمل تحفيز الشركات علي تطوير صناعة المدفوعات الرقمية وزيادة استخدامات الهواتف الذكية والإعتماد علي الحوسبة السحابية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة.

لن يكون المستقبل خالياً من موروثات الحاضر السلبية والتي نتيجتها سوف تنهار العديد من المؤسسات المالية العملاقة وستختفي كما أختفت الديناصورات التي لم تستطع التكيف والتطور، هكذا أيضا ستختفي تلك الكيانات لتأخرها في تطوير أدواتها وستفقد بالتدريج قدرتها التنافسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.