السعيد عبدالغني يكتب | تأملات في الخيال الخلاق

0

مهتما منذ كنت صغيرا كمبحث شخصي، مادته هي أنا، لأني لا أستطيع بفعل الحدود الذاتية في الدخول لأعماق الآخر إلا كمنتج له، أما كيف يتصور والخ، لا يمكن. والتجريد وفنونه هي عمليات لا تنقل، مثل مشاعر ذاتية، لذلك موضوعي كان رأسي ودوما التجريدي موضوعه هو ذاته لأنه هو ما يستطيع التجريب عليه والشعور بعملية التجربة وإنتاجها بشكل أكبر. أتساءل لم تأتي الصور في مخيلتي بلا عناء وبلا جهد؟ لم المجازات تكثر بشكل مفرط طوال الوقت؟ حتى قبل الكتابة وانا طفل، لم يكن يؤول ذلك إلا بشكل مرضي أو بشكل خرافي.
لم أكن أستسيغ كلمة موهبة لأنها كلمة حدية، تغلق السؤال مثل كلمات كثيرة دلالاتها مرمية خارج العالم. ولم أكن أبحث لدفع المرضية ولكن لأني كنت أريد أن أفهم هذه العوالم التي تمشي معي مرارا وكثيرا وطوال الوقت، ما مثيرها؟ ما مصيرها؟ ما مكونها؟ متى قيامة المتخيل؟ من ربها؟
فقرأت كثيرا عن ذلك، وكنت أتأمل في الشخصيات المطروحة كأنبياء، والنصوص كذلك، المقارنة أو الدفع أو الحدية مع الشعراء والمجانين. في القرآن كونه أقرب النصوص المطروحة واقعيا.
و لم يكن هذا فقط بل تعدى الأمر إلى البحث في سيكولوجية الله من خلال النصوص المطروحة له. كنت أجد تشابها غريبا بين كل هذه الشخصيات في التخييل وحريته مع درجات في التعطيل بعد مدد زمنية معينة.
ولا أريد أن أناقش كل شخصية على حدة كما أراها لكن كنت أريد لم أحمل هذا؟
وبدون الدخول في اللاهوت سأتحدث عن نظرية صارت الاقرب لي في الرؤية الى الان وهي نظرية “شين سي” الصينية وهي تتلخص في أن الخيال الخلاق المعبر عنه في شكل مادي لغوي فني.. الخ أو غير شكل مادي هي حرية الحركة للصور الخارجية فتتكون تطاحنات.
ويؤسس في علم النفس النفسي أن الخيال عملية نفسية من خلال الحركات الواعية للصور الخارجية تستخدم لإنشاء صور جديدة.
ولكن الخيال لا يعني التفكير بل جزء منه تأمل في الخارج وجزء منه وثوب على الصور الحاضرة مكانيا إلى ما هو غائب
الخيال الفلسفي مثلا أن كان تجريديا يختلف عن الخيال الفني أن الأخير البصري فيه أضخم. ولا أعرف أين قرات مصطلح” الصور الداخلية” وهو مصطلح أن كل ما يتدفق في ذهننا يتكون بصورة لامرئية خارجنا ولكن ليس خارج العين لكن في العين نفسها.
اي ان الصور الداخلية تلك تسبق رؤيتنا للمرأى.
وهذا ما يذكرني بمرة كنت أجلس مع صديق وقلت له كيف ترى نفسك وانت تهوى من أعالي؟ نظر لي وقال لي “لا اريد أن أرى” بينما أنا كنت أشعر لا أرى فقط بتموجات الهواء وانا أهوى، وبغض النظر عن المثال الذي طرحته له لأنه فيه ديستوبيا.
ما أقصده هو القدرة على جلب أي صورة أريد أمامي أشكلها خارج حيز المكان الذي أنا فيه وخارج حتى حيز المكان كله.
على المستوى اللغوي الأمر أصعب لان اللغة مادة مخالفة للسائد الدائم وهو الصورة، لذلك الأمر يعتمد على تعاشق اللغة مع الصور الداخلية، الخيال.
أتأمل كثيرا في كيفية كتابتي، كيف أستوحي، كيف أستحضر الكلمات التي تصل إلى مسمياتي؟ فاللغة مستويات متنقلة وتنشط تحريكات التسمية في الشاعر لانه خالق مجازات كثيرة.
لا أريد منذ كنت طفلا الوصول إلى يقين ولا أبحث عنه، بل فقط أريد معلوم ولو باهتا في كل حيز معرفي قيل عن قبليته، فالخيال الإبداعي أو الفني ليس وليد فرادة وهذه نقطة أخرى، ولا يتعلق الأمر بجبرية الإرادة هنا، بل بأن كل ما رأيت وخبرت.. الخ، هو خارجي، وهو مكوني وهو منتجي، فلا حاجة لفرادة أناوية، لأن الصدفة ساعدت بجزء كبير، ومصطلح الصدفة سأحاول تفكيكه في نص قادم.
في كل هذا أجد مترادفات كثيرة لأفكار مختلفة، وأعمال إبداعية سواء فنية فلسفية، وربما هذا يرجع إلى تحصيل نسبية مقاربة من الصور مع الاختلاف البيولوجي.
إن فهم العالم بشكل كامل وبصورة واحدة، شكل يخرب الذات جماليا وشكل ينهي الأفق. ولهذا ينحت الفلاسفة الشعراء الادباء الخ من جسد الغامض هذا، وكل منهم بأداته، وأقول رؤية العالم بشكل واحد وصورة واحدة لأنه إن كنت تعرف كل شيء موجود على منضدتك وأنت معزول معها أو أنك عزلتها فسينتهي التوق أو الحلمنة، وسيظهر الملل.لأن الحياة لا تكون إلا في حيز الشعر.
لا يمكن إهمال في هذا كله البعد البيولوجي الذي بدأت أقرأ فيه منذ مدة لكنه لا يرد أيضا بشكل صارم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.