ضيا اسكندر يكتب | خيانة الوطن .. أسبابها وعلاجها

0

الخيانة مفردةٌ تكشف في معناها عن حقيقة الوَضاعَة، وتعكس أعلى مَراتب الدّناءة والسقوط الأخلاقي وفقدان الشرف، ومَن يتّصف بها يكون شخصاً مَنْبوذاً، مَقْصِيّاً، مُحَقَّراً بين أهله وأقرانه. والعقاب على من يخون الوطن قديم قدم البشرية وفي كل الشرائع السماوية والشرائع الوضعية القديمة والحديثة، فالخونة لا يُنظر لهم بعين الاحترام والتقدير، بل يُنظر إليهم بعين الاستهجان والاستخفاف وبسوء الأخلاق وانحطاطها.
فالخائن يكون دائماً محتقراً، حتى من قبل الذين يعمل لصالحهم ويأتمر بأوامرهم. فقد رفض “نابليون” مصافحة ضابط نمساوي جاء ليتقاضى ثمناً للمعلومات التي قدّمها له لكسب معركته ضد النمسا، ورمى بالذهب على الأرض. فقال الضابط النمساوي: لكنني أريد أن أحظى بمصافحة يد الإمبراطور؛ فأجاب نابليون: «هذا الذهب لأمثالك، أما يدي فلا تصافح رجلاً يخون بلاده».
وسألوا (هتلر) قبل وفاته: مَن أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك؟
أجاب: (أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي؛ هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم).
ويقول تشي غيفارا: «مثل الذي خان وطنه وباع بلاده، مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه».
في 31 تموز 2022، أطلقت قوات سوريا الديمقراطية (عملية القسم) لملاحقة العملاء والجواسيس الذين باعوا ذممهم ووطنهم وتعاونوا مع الاحتلال التركي، وتسببوا في استشهاد عدد من مقاتلي (قسد) وقادتها وأعضاء القوى الأمنية والعاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى الشخصيات الوطنية والمجتمعية المشهورة. وألقت القبض خلالها على العشرات منهم وأحالتهم إلى القضاء المختص لينالوا جزاءهم.
والسؤال الذي يقضُّ مضاجع الكثيرين عن مفهوم خيانة الوطن هو؛ تُرى ما الأسباب التي تدفع الإنسان إلى خيانة وطنه؟
لقد سال حبرٌ كثير متحدثاً عن هذا الموضوع؛ وأجمع الباحثون على أن للفقر والظلم والتهميش والقهر والجهل والطمع والتربية السيئة والشعور بالاغتراب دور كبير في تهيئة المناخ لانتشار الخيانة. ومما لا شك فيه أن ضعف ارتباط المرء بوطنه وانتمائه لمجتمعه، وكأيّ حالة مرضية، لا يمكن معالجتها والتخفيف من آثارها إلّا بمعرفة أسبابها والقضاء عليها. لذلك فإن تحصين المجتمع من التشوّهات والعيوب والنقائص، تتطلّب جملة من الإجراءات والأساليب من شأنها القضاء على آفة الخيانة، أو على الأقلّ تحجيمها إلى أبعد حدّ، تأتي في طليعتها:
– توزيع الثروة بشكل عادل واحترام سيادة القانون وتوفير مناخ العيش بكرامة بعيداً عن العوز والحرمان والضنك.
– ازدهار اقتصادي متوازن شامل مع أعمق عدالة اجتماعية.
– تطبيق العلمانية من خلال فصل الدين عن الدولة وعن المدرسة وعن العلوم. والتأكيد على مبدأ المواطنة.
– تكافؤ الفرص بين كافة فئات الشعب، بغضّ النظر عن الانتماء الديني والمذهبي والطائفي والقومي والعرقي والجنسي.. والعمل وفق معايير وأطر محددة يخلق الثقة بين أفراد المجتمع والسلطة الحاكمة.
– العمل على نشر الثقافة بمختلف مكوّناتها من خلال حرية الإعلام بكل أنواعها. ومنع السخريّة من رموزٍ مقدّسة ذات أهميّة عاطفية قصوى في حياة المتدينين..
– تطبيق مبادئ الديمقراطية واحترام عقائد الناس وعاداتهم وتقاليدهم ومنع كل أساليب التكفير والبطش والقهر والقمع وما إلى ذلك.
– الاهتمام بالجوانب التربوية والأخلاقية من خلال نظام تعليم راقٍ مجاني. وإشاعة ثقافة التسامح والمحبة ونبذ العنف والغبن والشعور بالمهانة بكافة أشكالها، وصون كرامة الناس والقبول بالرأي الآخر المختلف.
– إقامة الأندية الرياضية والفنية (باليه، مسرح، سينما، موسيقى، رسم..) وتشجيع الانتماء إليها لتهذيب النفس والسلوك.
– محاربة الفقر والبطالة والتخلف والجهل والمخدرات واليأس والإحباط، وتقليص الفوارق الطبقية في المجتمع، والقضاء المبرم على الفساد بكافة صوره وأشكاله عبر قضاءٍ نزيهٍ وعادل.
وعلى ضوء ما تقدّم، نستنتج أنه بمقدورنا القضاء على الخيانة والعمالة واستئصال منابعها من جذورها، من خلال تكاتف الجميع في عمل جاد ومتواصل.
قد نحتاج إلى زمن لإنجاز ما نصبو إليه. لكن لا يهمّ طول المدة. المهم أن نسير في الطريق السليم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.