سعيد مضيه يكتب | وهم الديمقراطية تحت مظلة الاحتكارات
في الولايات المتحدة لا يكفون عن صدع الرؤوس بالحديث عن عمادتهم للحرية والديمقراطية، يزعمون أن تقحمهم غمرات الحروب ما هو إلا دفاع عن الديمقراطية والحرية . هذا ما تردده دعايتهم على مدار الساعة. اما من يتامل أنشطة الميديا بالولايات المتحدة فتصدمه ” بنية سلطة لا تحدها حدود واضحة تفصل شركات الميديا الكبرى عن الحكومة ، رقابة الشركات الكبرى هي رقابة الدولة. أعتى بنية سلطوية على الأرض تزداد صلافة شيئا فشيئا ولا تخجل من هذه الحقيقة”، وهذا ما خلصت اليه الكاتبة الأميركية، كيتلين جونستون في مقالتها ” مكتب التحقيقات الفيدرالي يُخرس قصة هنتر بايدن”. تساءلت: كم مرة تورط وكالات الحكومة الأميركية نفسها في أعمال الرقابة؟ وما هي المعلومات الأخرى التي قمعت بنفس الأسلوب؟ وما هي المعلومات الأخرى التي سوف تقمع مستقبلا؟ كتاباتها تنشر على السوشيال ميديا، تساعد القراء على اختراق أوهام الدعاية الرسمية، وهي تصدر كتبا مع زوجها تيم فولي.
فيما يلي مقالة كيثلين جونستون كما نشرت على موقع كونسورتيوم نيوز الإليكتروني يوم 26 آب 2022 :
إثر تلقي نصيحة من مكتب التحقيقات الفيدرالي ( إف بي آي) منع الفيسبوك نشر قصة ظهرت على لابتوب هنتر بايدن (ابن الرئيس بايدن، ورجل البيزنيس في أكرنيا ) ، والتي أشارت اليها نيويورك تايمز، حول فترة ما قبل انتخابات 2020 . وفقا لما أورده مارك زوكربيرغ رئيس فيسبوك / ميتا، في تصريح أثناء ظهوره يوم الخميس على برنامج جو روغن إكسبيريَنْس، “… بذلك اتخذنا مسارا مختلفا عن تويتر. في الأساس خلفية الحكاية هي مكتب التحقيقات الفيدرالي، اعتقد انهم جاءوا الينا – بعض الجمهور على فريقنا ، وكان أشبه ب’ هاي،مم،إذن تعرفون ، مثل ، عليكم بالحذر الشديد. كان هناك – اعتقدنا بوجود قدر كبير من الدعاية الروسية في انتخابات 2016؛ ولدينا بالرقابة في الأساس يوجد نوع ما من الإغراق- شبيه بذك . لذا عليكم الحذر’”.
وقال زوكربيرغ اتُخِذ قرار بعدم نشر المعلومة على منبر فيسبوك الذي يشاهده عدة مليارات القراء. وقال ان فيسبوك ، خلافا لتويتر ، الذي حظر كليا المشاركة في المقالة ، فضلت خيارا أكثر ذكاءًأ، هو خيار الرقابة بواسطة اللوغيرثمات. وأضاف زوكربيرغ ، لقد تناقص الإقبال على الفيسبوك “، مضيفا بعد إلحاح من روغان(مقدم البرنامج) ان انخفاضا الى حد ” ذي معني” حدث في مشاهدة المقالة.
كما بحثنا في وقت سبق ، فإن الرقابة عن طريق اللوغيريثمات باتت الوسيلة المفضلة للرقابة على المنابر العظمى لوادي السيليكون، وذلك بالنظر لكونها يمكن أن تتم لعدد اكبر بكثير من الناس وبمعارضة أقل بكثير من المنع الصارخ.
علاوة على حجب قصة هنتر بايدن المنشورة على جهاز اللابتوب عن منابر السوشيال ميديا ، فقد تم تجاهل القصة في البداية، وأنكرت ميديا الأخبار الرئيسة مجرد وجودها؛ ثم أعيدت حياكتها كعملية تزييف روسية. في نهاية الأمر دارت منافذ الميديا تلك واعترفت بأن البريد الإليكتروني المسرب ربما يكون صادقا، وصادق هنتر بايدن ضمنا عليها بنفسه، حين أقر ان المعلومات ” يمكن” ان تكون قد وردت من جهازه الخاص.
لم يصدر عن ذلك الجهار ما نعرفه ينطوي على فضيحة تماثل تلك الجبهة الموحدة التي عرضتها ميديا الأخبار ووادي السيليكون بتخفيف الأثر السياسي لذهول حدث في أكتوبر قبل انتخابات الرئاسة. والآن بتنا نعرف ان أكبر منبر للسوشيال ميديا في العالم حجب تلك القصة بعينها لأنهم تبلغوا تحذير مكتب التحقيقات الفيدرالي من ترك القصة تشيع بين الجمهور. فكم من المؤسسات الأخرى قمعت تلك القصة الإخبارية لأن مكتب التحقيقات أو غيره من وكالات الحكومة أمرهم بذلك؟ كم مرة تورط وكالات الحكومة الأميركية نفسها في أعمال الرقابة؟ وما هي المعلومات الأخرى التي قمعت بنفس الأسلوب؟ وما هي المعلومات الأخرى التي سوف تقمع مستقبلا؟
نظرا للأقنعة السرية التي تحجب بها الحكومة والشركات الكبرى وجهة نظرنا بصدد سلوك أصحاب السلطة، ليس لدينا الأجوبة على الأسئلة السابقة . كل ما يتوفر لدينا هو ما يختاره أوليغارشيون من امثال زوكربي أن يخبرونا به ، بأي طريقة ولأي مدى يختارون إخبارنا عن سلوكياتهم. لكن حتى ما يخبروننا به شيء بشع. وكالة حكومية ومنبرسوشيال ميديا ذو نفوذ لم يسبق له مثيل يتفقان معا لإسكات كلام سياسي مؤثر يعتبر رقابة وفقا لأي تعريف عقلاني. يمكن أن يطلع علينا ليبراليو الاتجاه الرئيس بجميع صنوف الحجج لماذا هي جميلة وعادية التبريرات الممتدة باضطراد لمراقبة الشبكة العنكبويتة ، وهي ليست رقابة في الحقيقة ، لكن هل بمقدورهم الحفاظ على تبريراتهم تلك حين يتعلق الأمر بوكالات الحكومة؟ أليس من الأفضل حقا فرض الرقابةعلى الكلام السياسي عن طريق التواطؤ بين وكالات الحكومة وأصحاب المليارات من فرضها مباشرة من جانب الحكومة وحدها؟
يقوم ألان ماكلويد بالكشف عن عدد من التقارير مع “مينتبريس نيوز” توثق أسلوب تجنيد العديد من المتمرسين في مكتب التحقيقات الفيدرالي والسي آي إيه و إن إس إيه وغيرها من الوكالات الحكومية للعمل مع شركات التكنولوجيا مثل غوغل ، يوتيوب ، فيسبوك / ميتا وتويتر. تتنامى العلاقة الحميمة التي يعمل بها الوكالات الحكومية والكيانات الكبرى معا وتتضاءل الجهود باستمرار لإخفاء العلاقة الحميمة.
في بنية سلطة لا تحدها حدود واضحة تفصل شركات الميديا الكبرى عن الحكومة فإن رقابة الشركات الكبرى هي رقابة الدولة . أعتى بنية سلطوية على الأرض تزداد وقاحة شيئا فشيئا ولا تخجل من هذه الحقيقة .
تعرفون انكم تعيشون مع أوليغارشية، حين يملك مارك زوكنبيرغ من النفوذ السياسي على بلدكم أكثر مما يملكه أي مسئول منتخب من الشعب. الديمقراطية وهم . واولئك الذي يعيشون في كنف الامبراطورية الأميركية تم استغفالهم بالدعاية وغدوا جمهورا واهنا سياسيا لا يفكر إلا انهم احرار نظرا لكونهم قد تلقوا وهم الحرية ، وتتضاءل الجهود المبذولة للحفاظ على هذا الوهم.
يحكمنا مرضى اجتماعيون غير منتخبين ، لا تشكمهم حكمة ، أو تعاطف ، ولا نية في التخلي يوما عن سيطرتهم. سوف يتواصل هذا ما لم، وإلى أن يستيقظ عدد كاف من بيننا على ما هو جار كي نوقفهم. انتهى كلام كاثلين جونستون.
بعد هذه القصة الفضائحية يتوجب القول بهذا السياق ان وهم الديمقراطية يخيم حيثما تعمل الشركات الكبرى للميديا، تُمسخ رسالتها من تنوير الجمهور الى تضليل الجمهور بالاقتصار على نقل رسالة المؤسسة المسيطرة الى الجمهور. الميديا في عالم الرأسمال تنقل رسالة مؤسسة الحكم وتركل الحقيقة بالأقدام . لاترى مهمتها التنوير والاستجابة لحق الجمهور في معرفة الحقيقة؛ تقصر مهمتها الأساس على حرية الوصول الى الجمهور، سيما في البلدان الأجنبية، حيث تطمع في إخضاعها للهيمنة.
والديمقراطية بدورها لا تنتعش إلا في بيئة يتاح للجمهور التوصل بيسر الى الحقيقة. ما لم يتوصل الجمهور الى المعلومات اللازمة عن القضية المطروحة فالنقاش الحر حولها أوبصددها يكون مجرد هذر وكلام متعفن . الديمقراطية مشروطة بحرية الوصول الى المعارف. وهناك أيضا حقائق علمية في التطور الاجتماعي لا يتوصل اليها الجمهور تلقائيا ، إلا من خلال كوادر سياسية مثقفة ومدربة ومتمرسة بنضال التغيير الاجتماعي. فالديمقراطية تكون خدعة إن لم تستهدف التغيير الاجتماعي بترشيد حزب أو ائتلاف أحزاب تغيير .
وإسرائيل جزء من مناطق نفوذ الشركات الكبرى في الاقتصاد والميديا. والمهمة الرئيسة للميديا في إسرائيل هي ترويج مزاعم إسرائيل الضحية، وتوحيش الجمهور اليهودي بالفاشية والكراهية العرقية؛ بذلك تطمس على نظام الأبارتهايد وتغفل العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعب فلسطين.