عبد الحسين شعبان يكتب | الغرب لا يفرّق بين الإسلام والمسلمين

0

لا يفرق معظم الغربيين والأمريكيين تحديدًا بين الإسلام والمسلمين، وبين المسلم العربي والعربي غير المسلم، ولا بين المسلم العربي والمسيحي العربي، ولا بين المسلمين بطوائفهم المختلفة ومدارسهم واجتهاداتهم، طالما ينتمي الجميع إلى المنطقة ولديهم ملامح شرق أوسطية. ولا يشمل هذا الأمر المواطن العادي حسب، بل إن بعض النخب الفكرية، ليست بعيدة عن ذلك، وليس من باب الجهل، بل من باب الإغراض الإستشراقي أحيانًا، وبهدف تهيئة الرأي العام لتقبّل فكرة صورة العربي المسلم المشوهة المتخلفة والرهيبة أحيانًا، وحتى صورة الإسلام توضع في مواجهة الحضارة الغربية ومنجزات العلم والتكنولوجيا في الإعلام الغربي.
والمشكلة الفعلية لبعض المفكرين والمستشرقين الغربيين، بل والاتجاه السائد في الغرب ليست المشكلة في “الأصولية” الإسلامية أو أعمال التعصّب والتطرّف والغلو، بقدر ما هي في الإسلام كدين وتعاليم وحضارة عربية- إسلامية.
ولعل السيدة مكير هولنجورث محررة الشؤون الدفاعية في صحيفة انترناشنال هيرالد تريبيون خير مثال على ذلك، حين تقول: “إن الأصولية الإسلامية ستتحول إلى الخطر الأعظم الذي يتهدد السلم والأمن العالميين، بالإضافة إلى كونها سببًا للاضطراب القومي والمحلي من خلال الإرهاب”. وهي خطر مثل النازية في الثلاثينيات ومثل الخطر الشيوعي في الخمسينيات.
والإرهاب ليس صفة لصيقة بدين أو شعب أو أمة أو دولة أو جنسية ويتم أحيانًا استخدام الدين المسيحي أو اليهودي أو الإسلامي للتغطية على بعض الأعمال الإرهابية بطريقة مزورة ومشوّهة، وبعيدة عن المُثل والقيم الدينية.
وقد أشار البيان الذي أصدره بعض المثقفين الأمريكيين إلى مثل هذه التداعيات إزاء عملية تنميط الإسلام أو نمذجة الإرهاب وربطه بالإسلام. ولعل هذا هو الذي دفع إدوارد سعيد المفكر والجامعي الفلسطيني الكبير إلى وضع علامات استفهام حول دوافع وأهداف عدد من الأكاديميين والمستشرقين الغربيين.
إن مثل هذه الأطروحات تشكّل خطرًا على العقلانية وعلى أي تفكير منطقي، فالإسلام حسب هذه الأطروحات بمثابة القنبلة الموقوتة التي يتم تفجيرها في أية لحظة استنادًا إلى مبدأ تحت الطلب ودون توفر شروط موضوعية مثل مقاومة الظلم وتطبيق العدالة وتحقيق حياة أفضل والدفاع عن العقيدة، كما يتضمن هذا المفهوم.
ومع الأسف فإن البيان الذي وقعه المثقفون الستون حظيّ باهتمام دولي كبير جدًا، لكنه لم يحظَ بمثل هذا الاهتمام عربيًا وإسلاميًا، ولعل ذلك يعطي مؤشرًا لعدم متابعتنا أولًا وانغمارنا بأمور الحياة ومشاكلها اليومية ثانيًا، ولعدم معرفتنا بآليات عمل السياسة الدولية والغربية ثالثًا، ولعدم وجود علاقات متينة بين المثقفين الأمريكيين والمثقفين العرب والمسلمين رابعًا.
البيان هو تواطؤ “المعرفة والسلطة”، وهو انعكاس لدور المثقفين المندغمة مصالحهم مع مصالح الغرب السياسي في التعبير عن تطلعّات الرأي العام، بل صياغتها طبقًا للمصالح السياسية والجيو-إستراتيجية للمجمّع الصناعي- الحربي في الولايات المتحدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.