رامي عبد الباقي يكتب | أنقذوا مصر من المضادات الحيوية (2-3)

0

نعود للحديث مرّة أخرى عن ذلك الخطر الذي يهدد مصر والعالم، خطر مقاومة المضادات الحيوية.
كنا قد توقفنا في المقال الماضي عند تلك اللحظة والتي تحققت فيها نبوءة ومخاوف ألكسندر فليمنغ مكتشف أول المضادات الحيوية وهو يتسلم جائزة نوبل في الطب وأصبحت بالفعل بعض السلالات البكتيرية مقاومة للبنسيلين وعادت الأمراض والعدوى الجرثومية لتشكل تحديا من جديد
صارت خطر الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية من أكبر المخاطر التي تحيق اليوم بالصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية سواء كانت محلية أو دولية
نستطيع أن نلخص مفهوم مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية بأنها قدرة الميكروبات على تطوير آليات تمكنها من مقاومة تأثير المضادات الحيوية فتكتسب دروع حماية تجعلها أصعب في العلاج وأشرس في آثارها
تحدث مقاومة المضادات الحيوية بشكل طبيعي ولكن وتيرة عمليتها تتسرع بفعل إساءة استعمالها عند إعطائها للإنسان أو الحيوان على حد سواء وهي نقطة هامة لأن سوء استخدام المضادات الحيوية في الحيوان أشد خطورة من نظيره عند الإنسان نظرا لاختلاف أنواع المضادات الحيوية المستخدمة وكذلك طبيعة الكائن نفسه
بات علاج عدوى الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية كحالات الالتهاب الرئوي والسل والسيلان أصعب بعد أن أصبحت المضادات الحيوية التي دَرجت العادة على استعمالها لعلاجها أقل تأثير وجدوى
قد يبدو خطر مقاومة المضادات الحيوية غير ذو أهمية لدى البعض .. لكننا لو أدركنا أن ذلك الخطر يؤدي إلى صعوبة علاج العدوى وجعلها أكثر شراسة وكذلك تمديد فترة الإقامة في المستشفى مما يؤدي إلى خطر الوقوع فريسة لحالات عدوى جديدة وكذلك ارتفاع التكاليف الطبية وزيادة معدل الوفيات .. فحينها قد يتغير مفهوم الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية ويصبح أكثر شمولا وأهمية
أصبح العالم بأسره في حاجة ملحّة إلى تغيير طريقة وصف المضادات الحيوية واستعمالها وحتى في حال استحداث أدوية جديدة فإن مقاومة المضادات الحيوية ستظل تمثل تهديدا كبيرا
تزداد ظهور مقاومة المضادات الحيوية وانتشارها في الحالات التي يتنسى فيها شراء تلك المضادات من دون وصفة طبية لأغراض الاستعمال البشري أو الحيواني وهو للأسف السبب الأكبر في ذلك الخطر
يستطيع أي شخص في معظم البلاد وتحديدا بلاد العالم الثالث أن يبتاع ما يريده من المضادات الحيوية من أي صيدلية خاصة دون أي روشتة أو سبب طبي لدرجة أن ال كولتين وال أفروزوليد وهما بمثابة الأمل الأخير في المضادات الحيوية في العالم أصبحا يباعا بسهولة وبدون أي رقابة
يتبيّن أيضاً في البلدان التي لا تطبق مبادئ توجيهية معيارية في مجال العلاج أن العاملين الصحيين والأطباء البيطريين غالباً ما يغالون في وصف المضادات الحيوية التي يفرط الجمهور في استعمالها تحت ذريعة إنقاذ حياة المريض
قد تبدو تلك الذريعة مقبولة في غياب عمليات الاستنبات والزرع البكتيري والذي يُعرِّف الطبيب مدى حساسية الميكروب للأنواع المختلفة من المضادات الحيوية ولكن عند توافر تلك العملية يصبح الطبيب بلا أدنى عُذر في وصف مضادات حيوية قوية في حالات قد تُعالج بمضادات حيوية أخف في التأثير
إن لم نُعجّل في اتخاذ الإجراءات فإننا مقدمون على عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن أن تصبح فيه عدوى الالتهابات الشائعة والإصابات الطفيفة قاتلة مرة أخرى وندخل عصر جائحة قد تكون هي السبب في نهاية وهلاك البشرية
لحُسن الحظ فإن هناك آليات تمكننا من إتمام ذلك الأمر وهو ما سنتحدث عنه في مقالنا القادم إن كان في العُمر بقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.