عمرو نبيل يكتب | الفصل بين حالة الحوار ومخرجاته

0

انعقدت الجلسة الافتتاحية للحوار السياسي الوطني، الجلسة التي افتتحها رئيس الجمهورية في كلمة مسجلة، وحضرها رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، وسياسيين وبرلمانيين، وكان أغلب المتحدثين ولأول مرة من المعارضين، وكانت المعارضة فيها جريئة ولكنها ولأول مرة راشدة وبناءة لأنها وطنية. عنوان الحوار “الطريق نحو الجمهورية الجديدة”، وشعاره “مساحة مشتركة”، ومبدأه “الاختلاف لا يفسد للوطن قضية”، وتأكيده على عدم وجود أي “خطوط حمراء”، ومخرجاته التي ستعرض مباشرة على رئيس الجمهورية “توافقية” لا تخضع لتصويت الأغلبية.
على مدار ثمان ساعات يمكن اختصار الانطباع الذي تركه افتتاح الحوار السياسي الوطني في عبارة “مه طلع ينفع اهوه!” أن تجتمع القوى السياسية بأختلاف توجهاتها وتفتح للمعارضة المساحة كاملة للتعبير عن مواقفها بكل حرية و”ميحصلشي حاجة!”، وأن تبنى جسور الثقة بين السلطة والمعارضة، وجسور التواصل بين المواطن وصانع القرار، وجسور التكامل بين العلم والسياسة. على مدار ثمان ساعات تحدث نخبة المفكرين عن مخاوفهم، والتكنوقراطيين عن رؤيتهم، وممثل العمال عن مطالبهم، وممثل الفلاحين عن مشاكلهم، وممثل سجناء الرأي عن آلامهم، ورؤساء الأحزاب عن أولوياتهم.
قالت المعارضة إنها لم تحصل على كافة الضمانات التي طالبت بها للمشاركة في الحوار ورغم ذلك شاركت، وفي ذلك عودة بالأمور إلى نصابها، لأن هذا هو الأمر طبيعي في السياسة، فعلى طاولة التفاوض السياسي لا يحصل أي طرف على كل ما يريد، فالسياسة هي ساحة التوازنات والتنازلات المتبادلة والحلول الوسط وفن الممكن. أقر القائمون على لجان المحور السياسي بأن البداية كانت صعبة وأكثر حدة، ولكن مع الوقت بدأت الأمور في أن تكون أكثر سلاسة، وذلك رغم استمرار الأختلاف في المواقف والتوجهات.
أنتج الإعداد للحوار توافق حول الأولويات رغم الأختلافات حول كيفية تناولها ومعالجتها، كما أنتج إطاراً للعمل السياسي الوطني تمثل في 113 قضية، وهذا التنوع في التمثيل، والشمول في المضمون، والحرية في الطرح، جعل “كيان” و”مؤسسية” الحوار الوطني أشبه ما تكون بـ “جمعية تأسيسية” تصيغ “عقد اجتماعي” جديد لـ “جمهورية جديدة”، وهو ما يضع على كاهل جميع المشاركين فيه مسئولية وطنية هائلة في لحظة مصيرية وغير مسبوقة التحديات تمر بها الدولة المصرية.
إن أخطر ما يهدد الحوار السياسي الوطني هو الخلط وعدم الفصل بين “حالة الحوار” و”مخرجات الحوار”، فمخرجات الحوار قد يعيبها التأخير، وقد لا يرضى عنها الكثير، وقد يشوبها من العيوب الكثير والكثير، إلا أنها قابلة للتغيير والتحسين وإعادة النظر ما بقيت حالة الحوار قائمة، ولا ينبغي أن نجعل من جودة مخرجات الحوار معياراً للحكم على مدى صلاحية حالة الحوار التي تمثل في حد ذاتها أكبر وأهم المكاسب الوطنية، والتي يجب حمايتها والحفاظ عليها، فأطراف ومخرجات الحوار قابلة للتغيير والتحسين أما حالة وثقافة الحوار على العكس من ذلك فهي أصعب بكثير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.