محمود الدسوقي يكتب | سر نجاح التنسيقية

0

في اللحظة التاريخية المناسبة، والظرف السياسي الملائم – والضروري – كانت أولى الخطوات الجادة نحو تأهيل وتمكين الشباب، في ترجمة واقعية تتفق وقناعة الرئيس عبد الفتاح السيسي بقضية التمكين هذه لمعالجة الفجوة الواسعة بين أجيال أدت دورها الوطني عبر مسارات متعددة، وأجيال أخرى لم تلق الاهتمام المطلوب والرعاية اللازمة، أجيال نشأت وتدربت علي أيدي موجهين في منظمة الشباب، وأجيال أخري سار هدفها الأكبر هو القفز في مراكب الموت والهجرة غير الشرعية .
وكان لثورة 25 يناير دلالة واضحة علي ترهل الدولة علي كافة المستويات، وتحول مصطلح ” الأقدمية ” في دولاب الجهاز الحكومي إلي واقع مقرر في الأجهزة الحكومية أو الخاصة ، وحتى مؤسسات المجتمع المدني، واختفي مصطلح ” الطليعة ” من القاموس المصري في الفن والسياسة والأدب وغيرها من المجالات .
وعلي الرغم من انتباه الدولة لأزمة الشباب المتمثلة في انعدام التحقق، إلا أن التعامل مع تلك الأزمة افتقد الجدية، وانحسرت الرؤية في فك طلاسمها في تعيين وزير هنا أو مسئول هناك، وفي عام 2016 ومع الإعلان عن المؤتمر الوطني الأول للشباب وإعلان الرئيس السيسي عن عام الشباب، انتبه الجميع لتلك الأزمة التاريخية اللصيقة بالشباب علي جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وليس فقط علي مستوى التمكين السياسي، وكانت تجربة البرامج الرئاسية وغيرها لتأهيل وتمكين الشباب بمثابة التأكيد الواضح علي تبني الدولة لحل أزمة انعدم تحقق الشباب من زواياها المختلفة وكان أهمها ما يتعلق بالتنشئة والتدريب والإعداد .
فاتجهت الدولة لإزالة العقبات التشريعية والتي حالت بين الشباب وتمكينهم في الجهاز الحكومي، وصدر قانون الخدمة المدنية، الذي ألغي مفهوم ” الأقدمية ” كشرط لتولي المواقع القيادية والمناصب التنفيذية في الجهاز الإداري، وكان الشباب على مستوى المسؤولية، وتفجرت قدراتهم في القيام بدورهم الطليعي في إعادة بناء وحماية مشروع الدولة الوطني .
وكان التحول الجوهري في عام 2018 مع انطلاق ” تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ” وصاحبها رهانات عديدة تراوحت بين منتهى التشاؤم ، وقمة التفاؤل ، وكان الرهان الأكبر هو رهان الشباب أنفسهم علي نجاح ” التنسيقية ” في إبراز قدراتهم ، وتعظيم خبراتهم المكتسبة من خلال أنشطتهم الحزبية ، وتيقن الشباب من توافر الإرادة السياسية الداعمة لهم ، فخرجت ” تنسيقية شباب الأحزاب و السياسيين ” إلى النور كحالة سياسية متفردة ، وليس باعتبارها تنظيم بديل للأحزاب، وفرضت نفسها علي الواقع السياسي كتجربة جادة اعتمدت في تأهيل أعضائها على الآليات النظرية في علم السياسة، وحولتها لواقع ملموس .
فعلي مدار خمس سنوات جمعت ” التنسيقية ” تحت مظلتها ممثلين لاتجاهات مختلفة فكرياً وسياسياً ، في إطار مشروع وطني واحد يستهدف تحقيق الحد الأدنى من التوافق بين أعضائها إعلاءً للأهداف والمصلحة الوطنية .
وأعتقد أن السر الكامن في نجاح ” التنسيقية ” بشكل فاق توقعات مؤسسيها قبل منتقديها، يكمن في إتباع آلية النقد الذاتي منذ التأسيس، تلك الآلية التي كان لها دور بالغ الأهمية والأثر في تطوير العمل الداخلي، وتحقيق نجاحات ساهمت بشكل واضح في إثراء الحياة السياسية والحزبية، ومهدت لمناخ سياسي عام هيأ الأجواء لإجراء الحوار الوطني الشامل بين كل القوي والأحزاب السياسية والمؤسسات الجماهيرية والشعبية ،بما يتفق مع طموحات وآمال المصريين في الجمهورية الجديدة، والوصول بمصر لأن تصبح دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كما يجدر بها أن تكون بين دول العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.