نور الشيخ يكتب | التوحد

0

*هذا ليس مقالا طبيا….

التعريف الطبي للتوحد كمرض هو مجموعة من الاعتلالات المتنوعة تصيب التواصل الاجتماعي، ولكن التوحد في العصر الحديث لم يصبح مرضا بل أصبح حالة تصيب الأصحاء.
كنت قد كتبت سابقاً عن ظهور الهويات الجغرافية الإفتراضية، وهى في إيجاز أن ينتمى الشخص لوطن رقمى بخلاف الذى يحمل جنسيته، أن يكبر ويترعرع في جنبات الشاشات وداخل أروقة الجروبات وهو يبحث عن ذاته أو شهواته أو حتى يبحث عن العبث أو القلق، أو العطف أو الملاذ.
نعم قد يبحث المواطن الرقمي عن القلق فذلك هو الشعور المفضل له، ويبحث عن العبث فتلك هي الحالة التي يجد فيها حاله كما الركض بالمكان لا يصل بك إلى وجهة معينة ولكن يحرق الوقت كما يحرق الدهون، وقد يبحث عن الأعذار والمبررات الداعمة لأخطائه أو وجهة نظره .
يلجأ المواطن الرقمي لأشخاص لا يعلمون عنه شيئا، ليعلمهم هو مايشاء ومايرغب عن نفسه، فتكن صورة الآخرين عنه صورة مبتورة غير مكتملة، تسمح له بالحصول على الإجابات التي يرغب في سماعها، في الحلول التي يبحث عن مبرر لها.

فيصبح المواطن الرقمى مصابا بالتوحد الإلكتروني، يخشى مواجهة الحقائق وليس المجتمع، تصير الأكاذيب هي لغته الوحيدة، يتصور أن كل البشر يرغبون في القضاء عليه… يرى أن المجتمع الحقيقى هو مجتمع ثانوى ليس هوالأساس.

خطورة مواقع التواصل الإجتماعى في وهمية الأشخاص وضلال الأفكار وسطحية الأراء، خطورة التوحد في عدم تقبل الحقيقة حتى محاولات البحث عنها منعدمة، الخطورة في الاستغراق في اللاحقيقة، التوحد الإليكتروني هو المتمم لرحلة البحث عن الذات الزائفة.

خطورة الأمر ليست في التوحد فحسب ولكن في نكران الهوية الأصلية، لا يجب أن نغفل أن هؤلاء المتوحدون ليسوا مرضى، بل هم مدمنون ولكن يصعب إقناعهم بالاقلاع عن إدمانهم، خطورة الأمر أن الأولوية اليوم للشاشة وليس للمحيط الطبيعى.
الأولوية اليوم للإنترنت فهو مصدر المعلومات، وهو منبت التظاهر، وهو بيت الشهرة، وهو مقصد الأخبار، هو الأولوية في كل شيء هو الأولىَ بالتركيز والانتباه، فأصبحت المشاعر رقمية، والحياة رقمية، والقرارات رقمية، والأصدقاء رقميون، والشهرة رقمية، وأصبحت الحياة كلها رقمية إلا قليلاً.
المشكلة الأكبر أنك لا تقدر على مواجهة هذا الشخص الرقمي بالحقيقة، فهو يرى نفسه شخصا سويا يتمتع بشهرة واسعة وحب بالغ بين أقرانه الرقميون، يرى أنه متقدم شأنه شأن العالم، كله يمضي حياته داخل الشاشة المضيئة، فلماذا ننعته بالمدمن وبالمتوحد، حقاً فهو لا يرى ولايسمع ولا يعي سوى الحياة الرقمية.
يتساوى الطفل بالكهل بالشاب في الحياة الرقمية، يتساوى الحق بالباطل، يتساوى الليل بالنهار، كل وجهات النظر صحيحة بل ومدعومة، دائما ما ستجد الإجابة التي ترغب في الحصول عليها … وليس الإجابة الحقيقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.