حسن مدن يكتب | أبو العلاء ودانتي

0

دار جدل، وسيظل مستمراً، حول تأثر الإيطالي دانتي في «الملهاة الإلهية» ب«رسالة الغفران» لأبي العلاء المعرّي، بين من ينفي وجود أي صورة من صور هذا التأثر، ومن يقول بالعكس تماماً، ويقدّم كل فريق حججه، ومن الذين قطعوا بغياب هذا التأثر الدكتورة بنت الشاطئ، عائشة عبدالرحمن، التي نالت الدكتوراه عن أطروحتها حول «رسالة الغفران»، ومثلها كثيرون، عرباً كانوا، أم مستشرقين، رأوا الرأي نفسه، وبعض هؤلاء المستشرقين انطلقوا من النظرة الاستعلائية للغرب تجاه كل ما هو شرقي، فكيف لأوروبا «العظيمة» أن تتأثر بأدب وفكر من لم يبلغوا يوماً، ما بَلغته هي.
كما أن بعض من نفوا فكرة تأثر دانتي بالمعري حاججوا في الأمر من اعتبارات لا تتمحور بالضرورة في اختلاف مضمونَي عملهما، وإنما في استبعاد فكرة أن يكون دانتي اطّلع على الأدب العربي السابق له إجمالاً، حتى يمكن القول إن عينه وقعت على «رسالة الغفران» وتأثر بمضمونها، واستفاد منه في وضع ملهاته الإلهية، خاصة أنه لم يكن يعرف اللغة العربية، أو هكذا يفترض، وأنه لم تتوفر ترجمة لرسالة الغفران، يومذاك، لا في الإيطالية، ولا في غيرها من اللغات الأوروبية، أو هكذا يفترض أيضاً.
لكن الباحث محمد طربيه في كتابه «أبحاث في التراث»، يذكر أن مستشرقاً إسبانياً، هو الأب ميخائيل أسين بلاثيوس، رأى في مؤلف له عنوانه «الغائية الإسلامية والكوميديا الإلهية» أن دانتي استقى من أصول ومصادر عربية وإسلامية منها «رسالة الغفران»، ولم يكن هذا المستشرق هو الوحيد الذي نحى هذا المنحى، فقد تلاه آخرون تبنّوا هذا الرأي، ويشير طربيه إلى أن باحثين إيطاليين بالدرجة الأولى عارضوا، بقوة، ما ذهب إليه الإسباني بلاثيوس، فكان أن رد عليهم «رداً مشفوعاً بالحجج والبراهين»، قائلاً إنهم «لم يكونوا ضحايا التعصب الفكري فحسب، بل ضحايا التعصب الثقافي القومي والديني».
اللافت أن الدكتور طه حسين الذي كان أكثر من اهتم بسيرة وبأدب المعري، لم يأت على موضوع تأثر دانتي به، لا سلباً ولا إيجاباً، خلا إشارة سريعة إلى وجود بعض الشبه بين رسالة الغفران وبعض أدب الإفرنج، حسب تعبيره، مشيراً إلى أن (بعض الفرنج يشبهون «رسالة الغفران» بكتاب (ملتن) الإنجليزي «الجنة الضائعة»).
وأياً كان الأمر، فإن السجال حول الموضوع، بصرف النظر عن طبيعة الموقف منه، قد خدم «رسالة الغفران»، لأنه، كما يرى كثيرون، لفت الأنظار إلى هذا العمل وسلّط الأضواء على أهمية محتواه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.