شروق أحمد تكتب | الصمت من فولاذ

0

“بدأت مؤخراً أقتنع تماماً بأن القراءة هي حياتي الأخرى السرية، وملجأي الشخصي الذي أهرب إليه دائما”… (فرجينيا وولف)

في هذا العصر المزدحم بالضوضاء التي تشل حتى الصمت أصبح الصمت ليس من ذهب بل من فولاذ, اصبحنا نعيش في عصر الكل يعلق على كل شيء أن اردت في الطب يتحول المجتمع كله أطباء ما أن قلت لدي صداع خفيف حتى أتتك مليون نصيحة من شخص هو نفسه لا يعمل بالنصيحة التي يلقيها عليك, في السياسة يتحول الجميع خبير سياسي باحث في العلوم السياسة, ما أن يتطلق زوجان حتى أصبح الجميع معالجين نفسيين للعلاقات الزوجية, ما أن يقع حادث طيران بسيط ليخرج الكل برتبة طيار وفي كل منحنى سياسي, جنسي, تكنلوجي أو عسكري حتى تنهال عليك الفيديوهات والتحليلات حتى بت أتساءل: لو كان العالم ومشاكله بهذه السهولة اذا لماذا الشرق الأوسط أصبح بهذا الفوضى والحروب الدينية بين شعوب المنطقة والأوبئة المتفشية حتى ترى فائض من التحليلات التي لا أول لها ولا آخر, وخصوصا القنوات العربية الإخبارية لا أعلم من أين تجلب هؤلاء المحللين الذين يتكلمون وكأنهم علماء ذرة تكاد تصدق أن من تشاهده عبقري في التحليل لتنصدم أنه يحلل من دولة لا يوجد فيها لا كهرباء ولا ما ء ولا حتى تعليم لذلك فإن الصمت في هذا العصر من فولاذ لأن حتى الذهب أصبح رخيص على ما يبدو.

لذلك عزيزي القارئ يجب أن نعترف أننا في زمن التحليل وتحويل كل شيء إلى حدث مهم ومع كل لحظه يخرج علينا محللين وباحثين حتى لم أعد أعلم من هو باحثاً حقيقياً ومن هو الخبير الفعلي فقد اصابني الضياع من كل هذه المعلومات وهناك لحظات أسأل نفسي هل أصبحتُ غير ملمة بالأشياء والأحداث؟ أم أن الأغلبية أصبحت تدعي الخبرة وتقول معلومات تم البحث عنها في محرك البحث قوقل؟ وفي وقت ما بدأت أصبح كهؤلاء أصبحت احلل واتحدث وكأني أعلم بكل شيء حتى صفعتني الحياة بقوة لكي استيقظ من الوهم أنني لا اعلم بكل شيء ولكن الحياة احياناً تعطيك فرصة لكي تستيقظ من النوم العميق أو حالة الزومبي التي تكون فيها، وفي اللحظة التي استيقظت اكتشفت ان الحياة ليست محتاجة مني رأي في كل شيء وهناك أوقات معينة وفي حالات معينة صوتي له أهمية قصوى في حدث معين وفي مرحلة معينة يجب ان اصرخ بأعلى صوت لأنه حينها صوتي ممكن ان يغير مسرى التاريخ أو حتى وقفة مع الضمير.

أصبحت لدي قناعة في زمن السوشيل ميديا أن ليس كل من تحدث هو باحث أو محلل حقيقي، وليس كل من قال رأيه يعني أنها الحقيقة المطلقة أو حتى الحقيقة وفي هذا الزمن تعلمت من أن العزلة ليست فقط هي العزلة الجسدية بعيداً عن العالم، بل هناك عزلة عقلية فكرية عن الضوضاء والغوغاء لأنها الحل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من السلام العقلي الروحي.

“إذا لم تقل صدقا عن نفسك فلن تتمكن من قوله عن الآخرى”… (فرجينيا وولف)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.