محمد سامح حسنونة يكتب | التحرر الفكري والتطور الشخصي

0

يُعتبر التحرر الفكري من أهم القيم التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في هذا العصر، حيث تُغلب الأهواء الشخصية والمصالح السياسية والاجتماعية على ما يجب أن يكون أساسًا لبناء المجتمعات المتحضرة: العقل والتفكير النقدي. ومع ذلك، نجد الكثيرين ممن ينساقون وراء الأشخاص لمجرد مكانتهم أو سلطتهم، حتى وإن كانت أفكارهم غير صحيحة أو مُضللة. هذا النوع من التبعية يولد مجتمعًا من الغوغاء الفكرية، لا يستطيعون التمييز بين الصحيح والخاطئ.
التحرر الفكري ليس مجرد دعوة لتغيير الأفكار السائدة، بل هو بمثابة دعوة للإنسان للعودة إلى ذاته الحقيقية، التي لا تنحني أمام الأساطير الاجتماعية ولا تذعن للسلطة المطلقة. إنه التمرد على القيود التي تكبل العقل البشري وتحجمه في إطار العادة والتقاليد التي لا تخدم سوى مصالح فئة معينة. العقل الحر هو ذلك الذي يفكر ويحلل ويختار طريقه بناءً على حجج واقعية وأدلة ملموسة، دون أن يُخضع قراراته للضغط الاجتماعي أو السياسي.
أما التابعون، فيعيشون في ظل هذا التكريس للسلطة، فغالبًا ما يتبعون قادة غير حكيمين أو أفكارًا غريبة لمجرد أن هؤلاء القادة أو تلك الأفكار تتماشى مع مصالحهم الضيقة أو تلبي حاجاتهم الشخصية. هؤلاء الأشخاص يعيشون في حالة من الخضوع غير الواعي لأشخاص أو مجموعات يعتقدون أنهم الأعلم والأقوى، ويغفلون عن قيمة العقل المستقل الذي يضع الأسئلة ويبحث عن الإجابات بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
إن التميز في التفكير يأتي من القدرة على اتخاذ مسافة كافية عن التصورات المُتداولة والتشكيك فيها. لا يمكن للإنسان أن يحرر نفسه فكريًا إن ظل أسيرًا لآراء الآخرين؛ التحرر الفكري يتطلب الوعي بأن العقل ليس أداة لخدمة الآخرين أو لتبرير أفكارهم، بل هو أداة للبحث عن الحقيقة حتى وإن كانت مؤلمة. إن مجرد السير وراء فكرٍ ما لمجرد أنه يحظى بشعبية أو مصلحة في اللحظة الراهنة، يعنى أن الإنسان قد تخلّى عن نعمة التفكير المستقل، فالعقل لا يُقاس بما يقال عن الشخص أو المنصب الذي يشغله، بل بما يقدمه من منطق سليم وأفكار خلاقة.
الحرية الفكرية ليست دعوة للانفصال عن المجتمع، بل هي دعوة للمشاركة في صياغة الأفكار بطريقة نقدية وواعية، تبتعد عن التبعية والتقليد الأعمى. عندما نحرر عقولنا من قيود السلطة أو الجماعات التي تحاول استغلالنا، نصبح قادرين على التفكير بشكل أكثر وضوحًا، ونتمكن من اتخاذ قرارات أفضل في حياتنا الشخصية والمهنية.
وفي نهاية المطاف، يبقى الأفراد الذين يسيرون في درب التحرر الفكري هم الأقدر على بناء مجتمعات نابضة بالحياة وقادرة على تجاوز تحديات المستقبل. التحرر الفكري ليس مجرّد رفاهية أو ترف، بل هو حاجة أساسية للإنسانية التي لا يمكن أن تبقى متقدمة دون أن يكون لها أفراد قادرون على التفكير خارج الصندوق والتمرد على القوالب الجاهزة التي تُفرض عليها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.