د. رامي جلال يكتب | زيدان وشعبان وحفني.. حبات عقد الماس

0

في سنوات الشباب السياسي الأولى، لم نكن ندرك أننا لا نعمل فقط في لجان ونقاشات وحوارات، بل كنا، دون أن نعلم، ننظم عقدًا من الماس. كل حبة فيه صافية، ونادرة، ولامعة، وصادقة. وفي لحظات الخسارة المتتالية، بدأنا نشعر بأن العقد سينفرط بفعل الحقيقة الوحيدك الثابتة، وهي الموت.

منذ أيام، رحل عن عالمنا الزميل العزيز حسام حفني، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، سبقه الزميل يوسف شعبان، وقبلهما الزميل أحمد زيدان. وجوه مألوفة، ضحكات محفورة في الذاكرة، مواقف لا تُنسى، وأحلام كنا نرسمها سويًا كزملاء في بهو التنسيقية، ببراءة البدايات وتفاؤل من يظن أن الوقت لا يزال طويلًا، بل ولن ينفذ. لكن الحقيقة كانت أبعد عن ذلك.

أحمد زيدان كان نجمًا سريعًا، شهابًا اخترق السماء، أضاءها ثم اختفى، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى. كان يختصر الزمن، ينجز ما يشبه الأسطورة في نصف عُمر العاديين، ويغادر. كتبنا عنه فبكينا، وقرأنا فازددنا يقينًا بأن البعض لا يموت، بل يغيّر فقط موقعه في المشهد.

يوسف شعبان كان عقلًا متزنًا، نقيًا من كل زيف، وفيًّا لجوهر الفكرة، مؤمنًا أن الاختلاف لا يعني الفرقة، وأن كل لحظة حوار هي فرصة للإصلاح. حين رحل، شعرنا أن شيئًا من الحكمة قد غادر القاعة.

حسام حفني، آخر الراحلين، كان هادئًا، لا يطلب صخبًا ولا يفتعل حضورًا، لكنه كان موجودًا دومًا حين نحتاجه. رحل كما عاش، بهدوء، لكن بصدى لن ينتهي.

إنّ من يفقد ثلاثة زملاء في سنوات متقاربة، لا يفقدهم فقط كأشخاص، بل يخسر شيئًا من صورته هو، من حياته هو، من ذكرياته التي لم تكتمل. فالفقد ليس حدثًا عابرًا؛ بل تصدّع في سقف النفس، لا تُجدي معه الترميمات.

يبدو الأمر كأننا كنا في امتحان جماعي، ثم بدأ بعضنا يُسلّم الورقة مبكرًا. ونحن، الباقون، ننظر إليهم بدمعٍ صامت، ونكمل الامتحان على أمل أن نلتقي بهم في قاعة التصحيح، حيث لا أخطاء، ولا تسرّب، ولا أوراق ناقصة.

الموت ليس نهاية، بل تبدّل. والأرواح النقية لا تختفي، بل تظل تحوم حولنا، تُذكّرنا بأن الحياة قصيرة، وأن الأهم ليس كم نعيش، بل كيف نعيش.

زيدان، شعبان، حفني… لم يكونوا فقط زملاء. كانوا حبات نادرة في عقد كنا نعلّق عليه آمال جيل، ومهما انفرطت بعض حباته، فالعقد ما زال في أعناقنا، ثقيلًا بمسؤوليته وجميلًا بانجازاته.
مع السلامة، يا زملائي الراحلين.. ستبقى ذكراكم بيننا، إلى أن يحين اللقاء من جديد، في واقع آخر، لا ينفرط فيه أي عقد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.