د.محمد الصعيدي يكتب | الشرق الأوسط وحافة الهاوية

0

في ظل التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وإيران، يبدو أن المنطقة تقف على شفا حرب قد تُغيّر وجه الشرق الأوسط إلى الأبد. التصريحات الأمريكية الأخيرة عن “تأجيل الضربة” قد لا تعكس الواقع على الأرض، حيث تشير تحركات عسكرية واستخباراتية إلى استعدادات غير مسبوقة لمواجهة قد تكون هي الأكثر خطورة منذ عقود.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تأجيل أي ضربة محتملة ضد إيران لمدة أسبوعين، فإن التحركات العسكرية الأمريكية تُظهر سيناريو مختلفًا تمامًا. ففي الأيام الماضية، تم سحب طائرات ومعدات عسكرية أمريكية من قواعد رئيسية في الخليج، مثل قاعدة “العديد” في قطر، كما بدأت واشنطن بإجلاء موظفيها وعائلاتهم من تل أبيب. هذه الخطوات تشبه إلى حد كبير التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل سابقًا في شن هجمات مفاجئة بعد إيهام الخصم بالمفاوضات.

وفقًا لتقارير دولية، وصلت إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 83.7%، أي أنها على بعد خطوات فقط من امتلاك قنبلة نووية كاملة. هذه النسبة تعني أن طهران قد تُعلن عن سلاح نووي خلال أيام إذا اتخذت القرار السياسي بذلك. وهذا يطرح سؤالًا محوريًا: هل يمكن للولايات المتحدة أن تنتظر أسبوعين بينما إيران على وشك تحقيق اختراق نووي؟

أكبر عقبة تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل هي منشأة “فوردو” النووية الإيرانية، التي تقع تحت الأرض بعمق 100 متر ومحاطة بطبقات صخرية سميكة. حتى أقوى القنابل الأمريكية، مثل الـ GBU-57، لا تستطيع اختراق هذا العمق. وهذا يدفع واشنطن إلى النظر في خيارات خطيرة، منها اللجوء إلى ضربات نووية تكتيكية لتدمير المداخل ودفن المنشأة تحت الأنقاض المشعة، لكن هذا الخيار يحمل مخاطر كارثية، بما في ذلك رد إيراني عنيف قد يشمل إطلاق صواريخ باليستية على القواعد الأمريكية وإغلاق مضيق هرمز. وهناك أيضًا احتمال شن قوات النخبة الأمريكية والإسرائيلية هجومًا بريًا على المنشأة، على غرار عملية “خليج الخنازير” في كوبا، لكن هذا الخيار قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران وحلفائها، مما قد يُشعل حربًا إقليمية واسعة.

في الأيام الأخيرة، كشفت إيران عن قدرات صاروخية متقدمة، حيث استخدمت صواريخ فرط صوتية ورؤوسًا عنقودية لاستنزاف الدفاعات الإسرائيلية. ووفقًا للتقارير، نجحت هذه الصواريخ في استهداف مواقع حساسة في تل أبيب، بما في ذلك مبنى البورصة ومراكز عسكرية. هذه التطورات تعني أن إسرائيل لم تعد قادرة على اعتراض كل الصواريخ الإيرانية، مما يزيد من مخاطر التصعيد.

الوضع الحالي يضع واشنطن أمام خيارين صعبين: الأول هو شن هجوم عسكري شامل قد يؤدي إلى حرب إقليمية مدمرة، والثاني هو ترك إيران تكمل برنامجها النووي، مما يعزز نفوذها ويُضعف الهيمنة الأمريكية في المنطقة. في كل الأحوال، يبدو أن الشرق الأوسط مقبل على أيام مصيرية. التصعيد الحالي قد يكون الأكثر خطورة منذ عقود، والعالم بأسره يترقب الخطوة القادمة، التي قد تُحدد مصير المنطقة لعقود قادمة.

ختامًا، الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة. إما أن تشهد المنطقة حربًا مدمرة، أو أن تفرض الدبلوماسية نفسها في اللحظة الأخيرة. لكن ما هو مؤكد أن التوتر الحالي لن يستمر إلى الأبد، وسيكون له نهاية… والسؤال الوحيد هو: أي نهاية ستكون؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.