د. غادة علي تكتب | روشتة علاج للبورصة المصرية

0 1,162

 

هل قُبلة الحياة للبورصة المصرية هي إطلاق استراتيجية قومية أم إطلاق صندوق حكومي أم الاثنين معًا؟ لم تعد البورصة المصرية مرآة للاقتصاد كما كانت من قبل، فأصبح هناك في السنوات الأخيرة انفصالًا واضحًا بين البورصة والأداء الاقتصادي المتميز الذي تشهده مصر، وبذلك تحولت البورصة من مؤشر حقيقي للاقتصاد إلى مؤشر ضبابي مضلل يهدم ما تبنيه الدولة المصرية. فعلى الرغم من نجاح الاقتصاد المصري المشهود له عالميًا وانتقال مصر من المركز السادس في الاستثمارات على مستوى أفريقيا في عام 2014 إلى المركز الأول في 2021 وفقًا للإحصائيات الاقتصادية العالمية، إلا أن البورصة تراجعت لتسجل 10% من الناتج المحلي الاجمالي بشكل غير مسبوق بعدما كانت تسجل مستويات تجاوزت الـ 100% في السنوات الماضية، ووصل إلى 111% عام 2008.

مع غرق البورصة المصرية بعد إشراقها أصبح عدد المتداولين لأسهمها يوميًا لا يزيد عن ٣٠ ألف متداول مقارنة بأكثر من ٣٠٠ ألف في أوقات سابقة، أي أقل من 0.3% من السكان مقارنة بنحو 55% من السكان في أمريكا و٣٣٪؜ في انجلترا و١٣٪؜ في الصين و١٦٪؜ في السعودية، بالإضافة لتراجع أحجام التداول عمليا لتساوي ٧٠ مليون دولار مقارنة بحوالي ١٥٠ مليون دولار قبل تحرير سعر الصرف وكلا القيمتين ضعيفتين.

لا أكتب هنا لأحمل رئيس البورصة أو الهيئة وحدهما مشكلة أكبر من إمكاناتهم بكثير، فنحن نحتاج لحلول واقعية بعيدة عن “ضرورة” و”يجب أن” و”يلزم”، نحتاج لعمل حقيقي صادق على أرض الواقع يعالج الكارثة التي وصلنا إليها. وبصفتي أستاذة جامعية متخصصة في التأمينات وإدارة المخاطر، وأشغل عضوية اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، اقترح عدة خطوات اعتبرها سبل النجاة لنعيد البورصة المصرية لإشراقها من جديد بعد أن غرقت، وهي كالتالي:

1- إعلان استراتيجية قومية متكاملة تدعمها الحكومة على أعلى مستوى وتلتزم بها كل الأطراف حتى تستطيع البورصة العودة لمستوياتها وتكون للخطة مستهدفات زمنية محددة، وتنظر في تجارب الدول الأخرى (منذ أيام تم تكليف الشيخ مكتوم بن راشد بالإشراف على ملف البورصة في دبي وأطلق صندوق صانع سوق بقيمة 10 مليار درهم).

 

2- النظر في إمكانية إطلاق صندوق حكومي على غرار مشاركة البنك المركزي التي تمت منذ فترة بقيمة 20 مليار جنيه، وأعطت دفعة للبورصة، وتشارك في الصندوق هيئة التأمينات الاجتماعية التي تحقق بالفعل عائدًا على استثماراتها في البورصة مقابل أي استثمارات أخرى لها، مثلما أعلنت وزيرة التضامن السابقة د. غادة والي، وكذلك هيئة الأوقاف والصندوق السيادي ويقومون جميعهم بالاستثمار في أسهم آمنة بأقل قدر من المخاطر مما يعطي عمقًا لسوق البورصة.

 

3- إلغاء أي ضرائب في الوقت الحالي وإلغاء ضريبة الدمغة موقتًا، ولمدة تلتزم بها الحكومة أمام مجتمع الاستثمار ولا تتغير بتغير الوزراء.

 

4- إعادة تفعيل الآليات المطروحة بالسوق مثل صانع السوق والبيع على المكشوف وخلافه.

 

5- سرعة العمل على سوق المشتقات لما له من قدرة على جذب المزيد من الاستثمارات المؤسسية.

 

6- تلتزام الحكومة بطرح 6 شركات بنهاية يوليو الماضي كما سبق وأعلنت.

 

7- تعديل قواعد القيد للسماح بوجود آلية لقيد الشركات الناشئة وخاصة في مجال التكنولوجيا المالية التي حققت مصر فيها طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة.

 

8- العمل على تفعيل آلية شركات الشيك علي بياض “spac” لدعم الاستحواذ على للشركات الناشئة (بورصة نيويورك شهدت عمليات بقيمة ١٣٠ مليار دولار العام الحالي في هذا النوع من الشركات).

 

9- دراسة أسباب قلة تواجد الشركات المصرية في المؤشرات العالمية مثل مورجان وستانلي (شركتان فقط في المؤشر)، فحاليًا تمثل البورصة السعودية أكبر وزن نسبي بين البورصات العربية في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة بنسبة 2.55%، تليها الإمارات بـ0.6%، والبورصة القطرية بـ0.59%، ثم البورصة الكويتية بـ0.46%، فيما تتذيل البورصة المصرية القائمة بـ0.066% فقط.

 

يعتبر حصر أسباب قضية تدهور البورصة في آثار قرارات الإلغاءات التي صدرت من الهيئة والبورصة، من أقل وأضعف زوايا الموضوع، فمن ناحية نرى أن الشركات المذكورة صغيرة وغالبًا هي أسهم مضاربات غير مؤثرة في أداء السوق، ومن ناحية أخرى نجد أن الإلغاءات كانت موجودة أيضًا في الفترة التي ارتفع فيها السوق في بداية العام، ونبحث حول إن كانت هي السبب في تراجع أداء البورصة خلال ال 5 سنوات الأخيرة أم لا.

لا يخفي على أحد تأثير الضرائب في وضع البورصة، خاصة وأن حزمة الحوافز التي أقرتها الحكومة مؤخرًا لم تلغ الضرائب ولكنها خفضتها فقط إلى النصف، ولم تلغها على الطروحات الجديدة وبالتالي لم تؤثر في السوق بالشكل المتوقع، فالمشكلة هيكلية لا يمكن حلها بقرارات إلغاءات أو حتى ضرائب، بل تحتاج إلى استراتيجية متكاملة على أعلى مستوى يلتزم بها الجميع، أو تفعيل المجلس الأعلى للاستثمار مرة أخرى برئاسة السيد الرئيس.

ختامًا البورصة ليست سوقًا للتداول وحسب، ولكنها توفر التمويل اللازم كل عام للشركات بما يساعدها على النمو الذي يضب في الاقتصاد المصري في نهاية الأمر، وأناشد كل مسؤول ومتخصص صاحب رأي أمين أن يقدم مشورته بشكل رسمي، من خلال كتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، لنتكاتف جميعًا ونتحد ونطرح الرؤية المتكاملة لإعادة البورصة المصرية لأفضل مما كانت عليه، وبشكل يليق بالجمهورية الجديدة.

 

* غادة علي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.