حسن مدن يكتب | الوطن من وراء الزجاج

0 176

قبل أنْ تحطّ الطّائرة في مطار البحرين في تلك الليلة، رحت أحدّق من نافذة الطّائرة في أضواء الجزيرة التي اسمها البحرين – والتي هي وطني – البلد الذي ولدت فيه، وفيه ولد أهلي وأجدادي، وأحمل جنسيّته.
الوطن من السماءّ!
أنْ ترى الوطن من فوق، من علوٍ. أضواء تتلألأ في خطوط دائريّة وأخرى عموديّة، ومن تلك الأضواء تستطيع أنْ تحدّد الفاصل بين البحر واليابسة. يبدأ البحر حيث تبدأ العتمة، أما اليابسة فإنّها تسبح في الأضواء، تشعّ بالنّور. قبل عشر سنوات استغرقني التّفكير ذاته عما خلفتهُ في وطني: صباي وغرفتي المتواضعة في بيتنا القديم، وبعض كتب وصور ورسائل حبٍ أولْ لم يكتمل.
لمْ أر الوطن يومذاك. لم يٌسمح لي بالدخول. اكتفيت بالذّكرى التي رسخت في الذّهن، أنْ تحدّق في أضوائه من علو. ليلة مبيت واحدة على كرسيّ في قاعة ترانزيت المطار، في اليوم التّالي أُعدًّ لي على عجل جواز سفر صالح لمدّة سنة واحدة، وعلى إحدى رحلات شركة (طيران الخليج) المتّجهة إلى دبيّ، طرت إلى الإمارات.
بعد سنوات أخرى، كنت عائداً من عمّان عاصمة الأردنّ في طريقي إلى دبيّ. كانت الرّحلة عبر البحرين، كان لا بدّ من وقفة أخرى في مطار الوطن. الوقت كان نهاراً، وكان الفصل صيفاً والشّمس ساطعة. ولأنّ فترة التّوقّف تستغرق ساعات، فقد رحت أتجوّل في أرجاء المطار. من خلف الزجاج بدت أشجار النّخيل الباسقة في محيطه، على بعد مرمى النّظر. أحسستُ في تلك النخيل بشيء من طفولتي، من صباي؛ لأنّها ذكّرتني بواحة النّخيل التي كانت تجاور البيت الذي وعيتُ فيه على الدّنيا وقضيت سنوات الطّفولة والصّبا.
الوطن من وراء الزّجاج!
أنْ ترى تراب الوطن ونخيله وبيوته وبعض شوارعه ولكنْ من خلف الزّجاج. لا تطأ قدمك ترابه، ولكنّ عينيك تراه، ليستثار في نفسك ولع وغصّة.
اليوم السابع والعشرون من فبراير 2001، قلتُ مخاطباً نفسي: لنْ تكتفي برؤية الوطن من السّماء، من علو، ولا من وراء زجاج المطار. ستخطو برجليك إلى ما هو أبعد من ردهة هذا المطار، ستتجاوز بوّابته الرّئيسيّة، وتخرج إلى الشّارع وتَشُم هواه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.