خالد ميري يكتب | نبض السطور

0 699

كلما يتقدم بنا العمر كلما يزداد الحنين الى الماضي، إلى أيام بواكير الشباب والأحلام المنطلقة بلا حساب. كلما أغمضت عيني أتذكر أيام الثانوية العامة فى مركز ديرمواس محافظة المنيا. كنتُ أذهب إلى المدرسة يوميًا فى مواصلات عامة والرحلة المتعبة لا نشعر بها، مارست كل انواع الرياضة باستمتاع وكان عشقي ميكروفون الاذاعة بالمدرسة. كان الحلم ان يكتمل التفوق بدخول كلية الطب ولكن ٤ درجات غيرت مسار حياتي الى اعلام القاهرة، كان اختيار والدي رحمه الله. رفض أن أعيد الثانوية وأُضيع عامًا من عمري وأخبرني إن موهبتي الحقيقية في الكتابة وأحلامي ستتحقق بها، واستجبت له وأنا بين الشك واليقين، لكن الأيام أثبتت كم كان محقا وكم كنت وقتها بعيدا عن عقلانية التفكير.

بمجرد التحاقي بكلية الإعلام وقسم صحافة تفتحت أمامي أبواب المستقبل، منذ عامي الثاني بالكلية أستقليت ماديًا عن الأسرة وأصبحت قادرًا على أن أتحمل نفقاتي كاملة من عملي بالصحافة. كنت أتنقل بين مكاتب الصحف العربية كالفراشة وكان الدخل يكفيني، وبدأت المسيرة الحقيقية فى اجازة السنة الأولى بالتدريب على يد الراحل الكبير عبدالوهاب مطاوع فى مجلة “الشباب” بالأهرام حتى السنة الرابعة، وكان القدر يخط ملامح مستقبلى عندما طلب الكاتب الكبير جلال دويدار رئيس تحرير الأخبار من الراحل العظيم د.فاروق أبو زيد، عميد إعلام ترشيح أفضل ٤ طلاب للالتحاق بالأخبار ، لم أكن صديقًا للعميد ولكن عملي كان يسبقني فتم ترشيحي وبدأت رحلة احتراف الصحافة وأنا ما زلت طالبًا، دخلت الأخبار فى بداية ١٩٩٤ وما زلت بين جدرانها راهبًا وتلميذًا في محراب صاحبة الجلالة.

ما أجمل أن تمارس عملًا تعشقه وأن تفتح عينيك كل صباح وأنت تعرف أنك ستتوجه إلى محرابك فى الجريدة، مهنة البحث عن المتاعب قد تثقل قلبك وروحك أيامًا ولكنها تفتح بداخلك أبواب الحلم والأمل والانطلاق والنجاح كل يوم.

منذ لحظة دخولى “الأخبار” حلمت بالالتحاق بالنقابة وتحقق الحلم فى عام ١٩٩٧، وحلمت بعضوية مجلس النقابة وبعد الفشل تحقق النجاح في أكتوبر ٢٠١١، وما زلت راهبًا فى محراب النقابة ووكيلًا لمجلسها، حلمت برئاسة تحرير الأخبار وبعد الفشل تحقق النجاح فى مايو ٢٠١٧، وما زلت اتحمل مسئولية الجريدة الأهم بوطننا العربي. وفى تونس ٢٠١٦ كان القدر يختارنى أمينا عامًا لاتحاد الصحفيين العرب باجماع نقابات الصحافة العربية وبعد انتخابات ساخنة. وفى اكتوبر ٢٠٢١ أكمل القدر رسم مسار حياتى ببدء تقديم برنامج كلمة السر على قناة صدى البلد مساء كل خميس.

أتذكر أن حلمًا لم يتحقق إلا بعد تعب وأن كل نجاح كان يسبقه فشل، وأن الإيمان والإصرار والعمل يقودنا إلى حيث نريد، وأن لا شيء يتحقق إلا بجهد تسبقه إرادة الله وكلمته وتوفيقه.

الأيام تحملنا إلى مستقبل لا نستطيع فك كلماته ورموزه قبل أن نعشه، لكننى دومًا كنتُ متفائلًا مهما كانت الصعاب، مبتسمًا مهما كانت العقبات، وكلما ضاقت فرجت، وكلما اشتد ضيقها أغمضت عيني لأعود إلى الماضي الجميل وأتذكر أين كنت وإلى أين وصلت.

الطريق مهمًا كان طويلًا يبدأ بخطوة واحدة، والحلم مهما كان بعيدًا يبدأ بابتسامة واثقة، والأهم ألا تضيع بوصلة المستقبل وسط حواري ومصاعب ومتاعب الحياة.

 

* خالد ميري، رئيس تحرير جريدة الأخبار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.