رامي جلال يكتب | سعادة السفير وسيادة المستشار

0 786

مئات الجنيهات هي الثمن الذي يمكن أن يدفعه أي مواطن صالح للحصول على لقب سفير أو مستشار.. لقب سفير (سفير بجد) لا يُمنح، حصرًا، إلا بقرار جمهورى. والسفراء الأجانب كذلك يحصلون على اعتمادهم من رأس دولتهم. كما يمكن أن يكون الشخص «سفيرًا» إذا كان من كبار مبعوثي الأمم المتحدة، التي يمكنها كذلك منح لقب «سفير النوايا الحسنة» لإحدى الشخصيات المرموقة عالميًا صاحبة الدور المجتمعى اللافت. ولا توجد أى جهة مصرية معتمدة تمنح لقب سفير، وكل الجمعيات والمنظمات الأهلية التى تعطى هذه الألقاب لمنتسبيها هى كيانات غير قانونية لا بد من التصدي لها.

أما لقب «مستشار» فلا يجوز إطلاقه على كل من هب ودب.. منذ عدة أعوام قُبض على أحد المطلوبين على ذمة قضايا، بينما كان يحمل كارنيهًا يتخفى خلفه بصفة مستشار تحكيم دولى وعضو المحكمة الدولية لتسوية المنازعات!.. فما القصة؟!. الموضوع أن لدينا فى مصر أكشاكًا كثيرة تحقق حلم البسطاء فى أن يصبحوا سفراء ومستشارين!، عندنا مثلًا كارثة تسمى «مراكز التحكيم الدولى»، وهى أماكن غير معتمدة تحصل على مبالغ مالية فى سبيل إعطاء المتقدمين لها كارنيهات تحمل لقب «مستشار» التحكيم الدولى. و«بيزنس» مزدهر للغاية.
قانونًا، أىّ اتحاد دولي للتحكيم لا بد أن يكون مشهرًا من جامعة الدول العربية، أو وزارة العدل، وهي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إصدار أىّ كارنيهات لهذه الجهات.

عندما كنت مستشارا لوزير التخطيط والتنمية الاقتصادية كنت مصرا وحريصا في أول أيام العمل أن يصدر قرارا وزاريا بمنحي هذا اللقب وصلاحياته، لا أن يكون الموضوع ارتجالي ودي كما يحدث في الكثير من الأحيان. الألقاب مسؤوليات وواجبات، وليست وجهة.

الناس تأخذ لقب «مستشار تحكيم دولى» عبر الحصول على دورة تدريبية (كورس) لمدة أيام تتكلف مئات الجنيهات، ثم يدفع الخريج مبالغ أكثر للحصول على الكارنيه!. وقد وصل الأمر بأحد هذه الأكشاك أن أعلن أنه يوصّل الكارنيه مع كتاب فى التحكيم الدولى على عنوان الدارس، الذي عليه فقط أن يرسل صورة من بطاقته الشخصية وألفى جنيه مصرى!.

مركز آخر زعم اعتماده من منظمة الأمم المتحدة، وأنه يمنح باقة من الهبات الدبلوماسية هى: لقب «سفير دولي للسلام»، و«وشاح السلام الدولى»، و«دبوس المدرب المؤثر»، و«دكتوراه مهنية فى إدارة المنظمات الدولية».. (على رأى عادل إمام: مفيش رز بلبن؟).

مطلوب تغليظ عقوبة انتحال صفة السفير أو المستشار وغيرهما. وهي ألقاب تُمنح لكثيرين على شاشات التليفزيون دون أىّ مراجعة، الكل دكتور ومستشار وسفير وخبير. أتذكر أنه حينما كنت لا أزال معيدًا بالجامعة، أصابني الملل والضيق من كثرة تصحيحي لمن يناديني بلقب دكتور، وتأكيدى الدائم أنني لست دكتورًا بعد.. وكان يحلو للراحل د.محمد كمال إمام، أستاذ الشريعة الكبير، أن ينادينى بهذا اللقب قائلًا إن هذا باعتبار ما سيكون، وإن المسألة مسألة وقت. والواقع أن إحدى مشاكلنا فى هيئات التدريس أن الموضوع يتعلق بالوقت فقط ليس أكثر. ولكن هذا موضوع آخر.

بالمناسبة، وبغض النظر عن أن الدراسات العليا عندنا بها الكثير من المشكلات التى تطعن فى جودتها وجدواها، فإن أىّ شخص خريج أىّ كلية يسمى نفسه «دكتور»، دون الحصول على درجة دكتوراه برسالة معتمدة، فهو منتحل صفة.. ومنذ فترة ثارت معركة بين الأطباء والصيادلة، حيث كان الأطباء يرون أنفسهم فقط الجديرين بلقب «دكتور»، بينما الواقع أنه حتى الطبيب هو «طبيب» لحين حصوله على شهادة الدكتوراه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.