عمرو نبيل يكتب | المفكر الايديولوجي لـ “الجمهورية الجديدة”

0

عقب اجتماع الرئيس الصيني “شي جين بينغ” بالرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في بكين يوم 4 فبراير 2022 صدر بيان مشترك جاء فيه: تحاول بعض البلدان رسم خطوط فاصلة على أساس الايديولوجيا، وفرض معاييرها الديمقراطية الخاصة، واحتكار الحق في تعريف الديمقراطية، ما يسحق الديمقراطية ويخون روحها وقيمها، فالديمقراطية قيمة إنسانية مشتركة وليست امتيازًا لعدد قليل من البلدان، ويحق لشعوب جميع الدول اختيار أساليب الديمقراطية التي تناسب ظروفهم، ويجب احترام التنوع الثقافي والحضاري.

هذا البيان أخرج “الصراع الايديولوجي العالمي” للعلن، والذي في إطاره جاءت المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، والمخاوف العسكرية بشأن تايوان بين الصين وأمريكا، وبشأن الشرق الأوسط بين “إسرائيل” وإيران، والتهديدات العسكرية بين الكوريتين، والمناوشات العسكرية بين الهند والصين، واستدعاء أمريكا للقوة العسكرية الألمانية واليابانية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، والتلويح بالأسلحة النووية من روسيا وكوريا الشمالية، وعلى الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي أدى الصراع الايديولوجي لقطيعة صينية أمريكية كتبت شهادة وفاة “العولمة”، أما على الصعيد الجيوسياسي، فأطلق الصراع الايديولوجي تحركات أمريكية وصينية وروسية مكوكية في أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وشرق أوروبا وآسيا، حيث يسعى كل طرف لعقد شراكات وتحالفات استراتيجية، خاصة في ظل صعود القوى اليمينية والقومية في العديد من الدول.

هذا الصراع الايديولوجي له عقول تديره، حيث أشارت الـ “نيويورك تايمز” للمفكر “وانغ هو ينغ”، الذي يلقب بـ”هنري كيسنجر الصين”، وهو أهم عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، حيث أدى دوراً رئيساً في صياغة الحلم الصيني ومبادرة الحزام والطريق، كما أنه في أثناء الحرب الروسية الأوكرانية انفجرت في موسكو سيارة ابنة المفكر “ألكسندر دوغين” وهو مفكر بوتين الايديولوجي ( كان المفترض أن يكون بالسيارة)، في تأكيد على أن هذا الصراع ايديولوجي بالأساس، ويعارض دوغين الليبرالية والشيوعية والفاشية، ويقدم رؤيته لـ “نظرية سياسية رابعة” تظهر بوضوح في تصريحات بوتين، حيث يرى أن خسارة روسيا لم تكُن بسبب الحرب الباردة، بل لانتمائها لحضارة اليابسة مقابل حضارة البحر والأطلسي، التي أبدع فيها الأمريكيون والأوروبيون.

وإذا كانت تلك هي الأجواء التي تدشن في ظلها مصر “الجمهورية الجديدة”، فإن السؤال حول ايديولوجية “الجمهورية الجديدة” يطرح نفسه بشده، حيث يرى فرانسيس فوكوياما أن الايديولوجية لا تحددها القوى والظروف الاجتماعية وإنما “أفكارها وحقيقة مخاطبتها لاهتمامات أعداد كبيرة من الناس العاديين”، مؤكداً ضرورة أن تنطوي على شقين كحد أدنى، أحدهما سياسي، والآخر اقتصادي.

وفي ظل تأكيد كلاً من وزير الخارجية الأمريكي ووزير خارجية حكومة ظل حزب العمال البريطاني (المتوقع فوزه بالانتخابات القادمة) على أنه لم تعد هناك حدود تفصل بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للدول، ونظراً لما تشهده مصر من “حوار وطني” حددت له ثلاثة محاور: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أنبثق عنها تسعة عشر لجنة، تفرع منها عشرات الملفات والقضايا، التي تمثل أبرز التحديات الوطنية، فالحاجة المصرية تشتد لايديولوجية وطنية، تكون بمثابة المادة الأسمنتية الداعمة لتماسك الرؤية الوطنية والضامنة لاتساقها.

ووسط حالة الاستقطاب الايديولوجي العالمية والإقليمية هذه، يتطلب تحقيق المصلحة الوطنية فكراً يهدي “الجمهورية الجديدة” سبيلاً لا يضعها مع أحد طرفي الصراع ضد الآخر بل في “تموضع وسطي”، وهنا تبرز العقلية الوطنية التي وصفت “العبقرية مصرية” بـأنها “سيدة الحلول الوسطى والوسط الذهبي التي تقع في الشرق وتواجه الغرب وتكاد تراه عبر المتوسط تمد يدًا نحو الشمال وأخرى نحو الجنوب ولهذا فهي قلب العالم العربي واسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الأفريقي”، إنها عقلية “جمال حمدان” فـ “شخصية مصر” تجعله مفكر “الجمهورية الجديدة” الايديولوجي، ومن هنا نبدأ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.