محمد علي مكي يكتب | من يملك الزراعة يملك المستقبل

0

اقتصاد الغذاء Food économies هو العلم الذي يختص بدراسة الظواهر والقوانين الاقتصادية المتعلقة بالموارد الاقتصادية الغذائية المختلفة وتفسيرها من حيث الإنتاج والتوزيع، بغية تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الموارد. ويهتم كذلك بدراسة العلاقات الاقتصادية بين الإنتاج والاستهلاك وبيان الأسلوب الأفضل لتوفير الاحتياجات الغذائية للسكان وتحقيق الأمن الغذائي. وللموارد الاقتصادية الزراعية ومعطياتها الإنتاجية مكانة مميزة في اقتصاديات الغذاء. وقد أدرك الاقتصاديون، في الآونة الأخيرة، أهمية دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الغذائي، وأسهموا في الدراسات والبحوث المتصلة بهذا الموضوع.

ويمكن تحديد دور الزراعة وتأثيرها في اقتصاد الغذاء بأنها توفر الاحتياجات الغذائية للمواطنين كالحبوب والخضراوات والفاكهة، إضافة إلى المنتجات الحيوانية كاللحوم والألبان ومشتقاتها. ويستفاد من المنتجات الزراعية المختلفة في الاستهلاك الغذائي المباشر أو في الصناعات الغذائية. وقد ازداد هذا التنوع في المنتجات الزراعية بازدياد الطلب على السلع المذكورة مع مرور الزمن. وارتبطت هذه الزيادة في الطلب بكثير من المتغيرات أهمها: النمو السكاني ومرونة الطلب الداخلية، وتطور الأنماط الغذائية في أكثر الدول كالإسراف وعدم الترشيد في استهلاك الغذاء ولاسيما لدى الفئات ذات الدخول المرتفعة.
ويمكن تمييز ثلاثة أنماط غذائية في العالم: النمط الأول في المجتمعات المتقدمة، حيث تسود التقنيات المتقدمة، ويستهلك السكان فيها نسبة عالية من المواد البروتينية. والثاني في الدول الآخذة في النمو التي تستهلك نسباً مرتفعة من الحبوب. والثالث في المجتمعات التي مازالت في المراحل الأولى للتنمية فهي تعتمد على المحصولات والسلع الزراعية الدنيا. ومن هنا يأتي دور القطاع الزراعي وأهميته في توفير السلع الغذائية.
المسألة الغذائية في العالم.
يجمع معظم المفكرين الاقتصاديين على العلاقة الوطيدة بين كل من النظام النقدي والمالي من جهة والنظام الاقتصادي للغذاء من جهة ثانية. فتطور أي منهما لابد من أن ينعكس بالضرورة على الثاني. وقد كان للنمو المتزايد في تجارة المواد الغذائية إبان السنوات الأخيرة آثار واضحة في التوسع السريع في تدفق رؤوس الأموال بين مختلف دول العالم. وشهد اقتصاد الغذاء العالمي تغيرات كبيرة ومهمة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تركز الإنتاج والمخزون والفائض من السلع الغذائية الاستراتيجية في عدد قليل من الدول المتقدمة، وانقسمت دول العالم إلى مجموعتين رئيستين: مجموعة الدول المصدرة للغذاء وهي الدول المتقدمة صناعياً، ومجموعة الدول المستوردة للغذاء وهي الدول النامية.
يتركز إنتاج الحبوب، التي تعد من أهم السلع الغذائية، في عدد محدود من الدول، إذ يلاحظ أن نحو 68% من الإنتاج العالمي يتركز في تسع دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسة وكندا وأسترالية ورابطة الدول المستقلة والهند وتركية والأرجنتين. ويتذبذب هذا الإنتاج في عدد من الدول من سنة إلى أخرى، ويرجع ذلك، في الدرجة الأولى، إلى أن نحو 85% من الأراضي المزروعة تعتمد على الأمطار و15% منها تعتمد على الري، مما يجعل الإنتاج ومردود وحدة المساحة يتأثران بالتقلبات الحادة في المناخ. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للحبوب في العالم فهي تصدر نصف مجموع الصادرات العالمية منها ونحو 40% من صادرات القمح وحده. فإذا أضيف إليها كندا وفرنسة وأسترالية فإن صادرات هذه الدول مجتمعة تصل إلى نحو 83% من صادرات العالم.
من ذلك يظهر مدى تركيز تجارة الحبوب العالمية، وخاصة تجارة القمح، في قلة من الدول، وخطورة ذلك على مسار اقتصاد الغذاء العالمي، لقدرة هذه الدول على احتكار هذه المواد والتحكم بأسعارها وممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية على الدول المستوردة للغذاء ولاسيما الدول النامية. ويعد عدم استقرار معدل الإنتاج من المحصولات الزراعية والسلع الغذائية الذي شهدته معظم دول العالم إحدى الظواهر التي اتصفت بها العلاقات الدولية في مجال الغذاء في السنوات الماضية. فقد كان للتجارة الخارجية نصيب متزايد في الدخل القومي لكثير من الدول، وشهدت هذه الحقبة تغيرات هيكلية في الأوضاع لمختلف الدول في التجارة الدولية للغذاء، إضافة إلى عدم استقرار الأسواق بعد عام 1973 وما رافق ذلك من تضخم في ديون الكثير من الدول النامية، وارتفاع أسعار الفائدة على الديون، وعدم مقدرة بعض تلك الدول على سداد ديونها فأدى كل ذلك إلى مطالبتها بإعادة جدولة ديونها والتفاوض بشأنها. وقد نتجت عن هذه الظاهرة تغيرات مهمة في المبادئ العامة لتجارة الغذاء الدولية.
ومع تباين تفسيرات مشكلة الغذاء على الصعيد العالمي، ومن بينها التقلبات الحادة في إنتاج بعض الدول الكبرى، ولاسيما الاتحاد السوفييتي السابق، أو ما صاحب النظام العالمي من تقلبات في السياسة النقدية، إلى ما هنالك من تفسيرات تمثل وجهات نظر اقتصادية وسياسية مختلفة، فإن التفسير الأقرب إلى المنطق لأزمة الغذاء العالمية التي بدأت في أوائل السبعينات من القرن العشرين يرجع إلى التغيرات التي أحدثتها الدول المنتجة والمصدرة للغذاء في السياسات الزراعية إلى جانب تغيير التركيب التسويقي للغذاء لمصلحة الدول المصدرة وافتعال ما يعرف اليوم بأزمة الغذاء العالمية، مما حدا بالهيئات والمنظمات الدولية إلى تركيز قسم من جهودها واهتماماتها لبحث تلك المشكلة، ووضع التوصيات والمقترحات لحلها. وفي هذا الشأن انعقد مؤتمر الغذاء العالمي في عام 1974، وكان من نتائجه إنشاء الكثير من الهيئات المتخصصة لبحث مشكلة الغذاء وتمويل جزء من الاستثمارات الضرورية لتنمية إنتاجه. ومع الاهتمام الكبير فإن الإنجازات الفعلية في هذا المجال على الصعيد الدولي ما تزال متواضعة إلى حد كبير، ولاسيما إذا ما قيست بحجم المشكلة وأبعادها المستقبلية، ولعل من أهم النتائج التي أظهرتها أزمة الغذاء العالمية إنذار الدول النامية والمستوردة للغذاء بما تواجهه من مخاطر وما يحمله موقفها الغذائي من ضعف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.