وليد عتلم يكتب | الوعي الشعبي بالأزمة الاقتصادية

0

نحن والعالم الآن تحت وطأة تضخم مرتفع، يرى البعض أنه الأكثر ارتفاعاً منذ عام 2008، زادت الأزمة الأوكرانية من تداعياته وتأثيراته، التضخم هو زيادة في أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد على مدى فترة من الزمن، هذا يعني أنك تفقد القوة الشرائية – نفس الجنيه (أو أي عملة تستخدمها) يشتري أقل، وبالتالي تكون قيمته أقل. بمعنى آخر: مع التضخم ، لا تذهب أموالك إلى المدى الذي كانت عليه في السابق.
قفز معدل التضخم السنوي في مايو الماضي لإجمالي الجمهورية إلى 15.3% مقابل 14.9% في أبريل الماضي، مقابل 6.2% في نوفمبر الماضي، مسجلا أعلى مستوياته منذ نوفمبر 2018، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ثم عاودت معدلات التضخم في المدن المصرية الصعود من جديد، حيث ارتفعت خلال شهر يوليو إلى 13.6% على أساس سنوي مقارنة مع 13.2% خلال شهر يونيو. 35% من نسبة التضخم في مصر حاليًّا قادمة من الخارج بسبب ارتفاع أسعار الوقود والشحن عالميًا، وأخيراً الأزمة الأوكرانية؛ التي قد تضيف 3% إلى التضخم العالمي هذا العام، وتمحو نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2023 وفقاً لتقرير أعده المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (NIESR)، وهو ما ينتج عنه بالضرورة رفع أسعار سواء مدخلات الإنتاج أو المدخلات الوسيطة وحتى السلع النهائية، وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة والعلف، أما الداخلية فقد أدت العوامل السابقة إلى زيادة أسعار الطعام خاصة السلع الأساسية المستوردة من الخارج، ورفع الدعم عن المرافق (الكهرباء- المياه).
مجموعة الطعام والمشروبات قادت ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر، بعدما زادت بنسبة 14%، نتيجة زيادة أسعار مجموعة الزيوت والدهون بنسبة 34.8%، مجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة 19%، مجموعة الخضروات بنسبة 17%، مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 14.7%، مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 11.5%، مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 10.3%.
لذلك في الاقتصاد الكلي والاقتصاد المالي ، يُنظر إلى التضخم على أنه يلعب دورًا مهمًا في قرارات الادخار والإنفاق، ما يعني أن الأوضاع الحالية سيكون لها أثر سلبي شديد على عموم الأسر المصرية لا شك.
الدول في سعيها لاحتواء الآثار السلبية للتضخم؛ تعتمد على السياسات النقدية من خلال التحكم في المعروض النقدي وأسعار الفائدة عبر البنوك المركزية، وكذلك من خلال ضبط الإنفاق الحكومي، حيث تقوم الحكومة بتقليص الإنفاق الحكومي، أي بمعنى أخر تخفيض حجم الإنفاق خاصة الإنفاق الاستهلاكي الذي سيؤدي بدوره إلى خفض الطلب ومن ثم تراجع معدل التضخم. وهو ما نجحت به الحكومة المصرية حتى عام 2021؛ حيث كانت مصر الدولة الوحيدة التي حققت تراجعا متتاليا لمعدل التضخم على مدار أربع سنوات، وهو أكبر انخفاض التضخم بالأسواق الناشئة، وذلك بمقدار 19 نقطة مئوية عام 2020/2021 مقارنة بعام 2016/2017، حينما سجل مستوى قياسيا عند 23.5% آنذاك.
الآن وفي ظل استعار حمى التضخم عالمياً كأثر مباشر للأزمة الأوكرانية، وارتفاعات الأسعار أصبحت واقعاً محسوساً على النحو الذي دفع نشطاء السوشيال ميديا إلى التندر بأن “شهر شعبان ترفع فيه الأعمال وليس الأسعار”، بات واجباً مراجعة ثقافتنا الاستهلاكية، الرقابة الحكومية للأسواق ضرورة لا شك، لكن الرقابة الشعبية ومدى الوعي بما يحدث في العالم هو الأهم.
الحكومة بدأت خطة لترشيد وضغط الإنفاق في ضوء الأزمة الحالية، فهل يملك المواطن الحد الأدنى من الوعي بالأزمة الاقتصادية ؟؟
هناك فارق ما بين المعرفة بالأزمات والشعور بها، وبين الوعي والإدراك أبعادها وتداعياتها، ومن ثم كيفية التعامل معها، وهو ما ينعكس بوضوح في قراراتنا الاستهلاكية كمواطنين. نحن نعاني على المستوى الشعبي مما يطلق عليه عدم الوعي الاقتصادي أو “الأمية الاقتصادية”، في هذا السياق يشير الأستاذ في جامعة مينيسوتا ، مارك بيرجن ، في كلية كارلسون للإدارة، إلى أن “المستهلكون في حاجة إلى بناء المعرفة – من خلال زيادة محو الأمية بشأن التضخم – حول عواقب التضخم لتحديد كيفية رد فعلهم عندما ترتفع الأسعار. قد يعني ذلك الدفع نقدًا الآن بدلاً من التمويل ، أو التفاوض على المرونة من خلال شروط الدفع ، أو إضافة 10-20٪ أخرى في ميزانية البقالة كل شهر ، أو الاحتفاظ بمزيد من السلع والأصول المادية التي تحمل قيمتها أثناء التضخم”
المبدأ الرئيسي في حماية المستهلكين يقوم على ضمان حصولهم على المعرفة التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات رشيدة تمامًا، لذلك نحن في حاجة ماسة إلى ربط مفهوم المعرفة الاقتصادية بمفهوم محو الأمية الاقتصادية، الآن ونحن مقبلون على شهر رمضان الكريم، المعروف بكثافة النمط الاستهلاكي للمصريين، فإننا جميعاً في حاجة ماسة لمراجعة قراراتنا الاستهلاكية بما يتناسب مع الأوضاع الحالية.
لذلك؛ هي فرصة للمستقبل لتضمين مناهجنا التعليمية في إطار عملية التطوير لعديد المصطلحات والمعارف الإقتصادية وعلى نحو مبسط، في المراحل التعليمية المختلفة، حيث تعمل مناهج اقتصاديات المستهلك ومحو الأمية المالية والاقتصادية على تمكين الطلاب بمعلومات قيمة للمساعدة في السيطرة على الشؤون المالية الشخصية واتخاذ القرارات بشأن المال ، وأن تكون مستهلكًا رشيداً ومستنيرًا. لينشأ جيل لديه حد أدنى من المعرفة والثقافة الإقتصادية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.