أحمد سوكارنو عبد الحافظ يكتب | مخالفات البناء فى الإسكندرية

0 303

تعتبر مصر من أكثر الدول التى تعانى من مخالفات قوانين البناء. وتعد الإسكندرية من أكثر المحافظات معاناة من مخالفات المبانى وهى فى الواقع تمتلك نصيب الأسد من العقارات المخالفة حيث بلغ عدد هذه العقارات أكثر من 130 ألف عقار مخالف. ولعل الإسكندرية تختلف عن سائر المحافظات فى أنها شهدت ظاهرة الكحول التى انتشرت كالنار فى الهشيم منذ العقد الأول من القرن الحالى. والكحول هو شخص يستعين به صاحب الأرض مقابل بضع آلاف من الجنيهات: فصاحب الأرض يقوم ببيع الأرض للكحول وبالتالى فإن التراخيص تصدر باسم الكحول وكذلك كل المخالفات على المبنى ترسل إلى عنوان الكحول. أما صاحب الأرض الحقيقى فيحصل على إيصالات أمانة وتوكيل من الكحول بالتصرف فى وحدات المبنى على أن لا يلغى التوكيل إلا بموافقة الطرفين.
ولعل استعانة أصحاب أراضى البناء بالكحول قد أدى إلى مخالفات جسيمة فى الثغر. فهنالك عقارات أو أبراج تتكون من 14 دورا فى مناطق كالظاهرية وكوم الدكة ذات الحوارى والشوارع الضيقة حيث لا يسمح فيها القانون بالارتفاع أكثر من ثلاثة أدوار. وهنالك عقارات فى منطقة كليوباترا بالإسكندرية يصل ارتفاعاتها إلى 23 دورا فى شوارع وحوارى لا يزيد عرضها عن ثمانية أمتار. ووفقا للمادة 15 من قانون البناء رقم 119 لسنة 2008م فإنه “لا يجوز الارتفاع الكلى للبناء عن مرة ونصف عرض الشارع بحد أقصى ستة وثلاثين مترا”. وبالتالى فإن ذلك العقار الذى يحتوى على 23 دورا يحتوى على 19 دورا مخالفا.

من المؤكد أن هذه العقارات المخالفة تمثل تهديدا للمواطنين المقيمين فيها أو بجوارها. أولا: إن صاحب العقار الذى يستعين بالكحول للهروب من قيود قانون الارتفاع لن يتردد فى تحطيم قواعد البناء التى تتعلق بمواد البناء ككميات الأسمنت والحديد والرمل وبالتالى فإن المبانى باتت معرضة للانهيار. ثانيا: إن بناء عقار ارتفاعه 69 مترا مثلا فى شارع لا يتجاوز عرضه ثمانية أمتار يعد خطرا على المبانى المجاورة ويمثل تهديدا للبنية التحتية من صرف صحى وخلافه. الجدير بالذكر أن بناء بعض الأبراج فى منطقة كوم الدكة بالإسكندرية قد أدى إلى تشقق العقارات الحديثة المجاورة وانهيار العقارات القديمة. ثالثا: صعوبة التعامل مع هذا العقار فى حالة حدوث حريق إذ لن تستطيع عربات الإطفاء الدخول إلى الشارع والتعامل مع الحريق فى الأدوار العليا. رابعا: إذا حدث زلزال وأدى إلى ميل العقار كما حدث فى منطقة الأزاريطة بالإسكندرية فإنه سيؤدى إلى إخلاء كل العقارات المجاورة مما سيتسبب فى تشريد الأهالى.

لقد جاء قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019م وتعديلاته لوقف سيل المخالفات المستقبلية وتصحيح الأخطاء السابقة ليس فقط فى الثغر بل فى سائر المحافظات، وبمعنى آخر فالهدف من القانون هو تصحيح وتقنين أوضاع المبانى المخالفة بحيث يصبح المبنى قانونيا وبالتالى يستطيع المخالف توصيل المرافق ويعيش فى أمان. المهم إن القانون ينطبق على المخالفات التى حدثت بعد عام 2008م وحتى 2017م بشرط أن لا يكون هنالك اعتداء على أراض الدولة وأيضا أن لا تكون المبانى قد أنشئت بعد عام 2017م. ووفقا لتعديلات القانون فإنه يجوز التصالح على المخالفات التى حدثت قبل عام 2008م غير أن تطبيق القانون سوف يصطدم بالكثير من المطبات التى تتطلب إزالتها. لعل المشكلة الأكبر التى تواجه تنفيذ القانون تكمن فى تلك الحالات التى تختفى فيها الأطراف المتسببة فى المخالفة لسبب أو لآخر. أولا: لقد تبين أن القانون لن يستطيع ملاحقة الكحول لأنه يختفى فور تسليم التوكيل لصاحب الأرض الحقيقى والذى بموجبه يستطيع التصرف فى كل وحدات العقار لكن يمكن ملاحقة البائع من خلال التوكيل الذى حصل عليه من الكحول. ثانيا: ماذا لو توفى صاحب الأرض بعد أن انتهى من بيع الوحدات؟ هل فى مثل هذه الحالة سيتحمل سكان العقار غرامة المخالفة؟ على سبيل المثال هنالك عقار فى منطقة كليوباترا بالإسكندرية بلغ ارتفاعه 23 دورا فى شارع لا يتعدى عرضه ثمانية أمتار. فالعقار يحتوى على 19 دورا مخالفا وكل دور به وحدتان وبذلك فإن عدد الوحدات المخالفة يبلغ 38 وحدة. وإذا افترضنا إن مخالفة كل وحدة تساوى 100 ألف جنيه، فإن الورثة مطالبون بدفع 3 مليون وثمانمائة ألف جنيه.

من الواضح أن هذه المخالفات قد تراكمت عبر العديد من السنوات وإزالتها تتطلب سياسة تنفيذية حكيمة حتى نحصل على النتائج المرجوة وأهمها سيادة القانون مع الاحتفاظ بمصالح المواطنين واستثماراتهم فى مجال العقارات لأنهم فى الكثير من الأحيان ضحايا الإهمال والتقاعس فى تطبيق القوانين منذ الوهلة الأولى للشروع فى البناء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.