أحمد قناوي يكتب | المُعلم قبل التابلت والفصل قبل الانترنت

0 557

كعادتها كل عام، تتصدر أخبار نتيجة الثانوية العامة عناوين الصحف والمجلات، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومع محاولات وزارة التعليم لتطوير العملية التعليمية، وتعديل المناهج ونظم الامتحانات، تتباين ردود أفعال الأهالي بين تفاؤل حذر وبين قلق يمكن تبريره.
وتأتى نتائج هذا العام مشابهة للأعوام السابقة من حيث نسب النجاح والرسوب، حيث تتراوح بين ٧٤% و ٧٥%، مع فرصة للراسبين في مادة أو اثنتان فى امتحانات الدور الثاني، ولكنها بالتأكيد تختلف عن نتائج السنوات السابقة من حيث متوسط مجموع درجات الكلاب، حيث لاحظ الجميع انخفاض المجاميع لمعظم الطلاب.
وفي الحقيقة أنا لا يقلقنى انخفاض متوسط درجات الناجحين في الثانوية العامة، فهذا هو المعدل الطبيعى في معظم نظم التعليم في العالم، وهو المعدل الذى حدنا عنه سابقا، في سنوات التسعينات وما بعدها، وأضر ذلك بسمعة التعليم المصري، ضمن عوامل أخرى بكل تأكيد.
أما ما يقلقنى حقا هو أن يقر عدد كبير من المتفوقين باعتمادهم على الدروس الخصوصية في بعض أو معظم المواد، بل أننى أعتقد أن إقرار الطالبة الأولى على الثانوية بعدم حضورها للمدرسة واعتمادها بشكل كامل على الدروس الخصوصية هو شهادة وفاة للمنظومة التعليمة المصرية التي تعانى بشدة من نقص حاد في الفصول والمدرسين، وهما قاعدة مثلث التعليم إضافة إلى رأسه وهو الطالب، الذى إما غاب السنوات الماضية بسبب الاجراءات الاحترازية لمكافحة كورونا، أو لتكدس الفصول حتى وصل بعضها ل ١٠٠ طالب وأكثر في الفصل، أو للتسرب من التعليم الذى يشكل ظاهرة يجب مواجهتها إذا ما أردنا أن نكافح الأمية بشكل جدي.
لقد تراجعت الدولة تدريجيا في توفير مرافق التعليم، خاصة مع الزيادة السكانية الهائلة، ولم تستطع المدارس الخاصة سد الفجوة بين المطلوب والمعروض، كما أن مصاريفها أصبحت أكثر مما تستطيع معظم الأسر المصرية توفيره، ومع بحث الأهالي عن بدائل، تطورت الدروس الخصوصية من وسيلة مساعدة إضافية يلجأ إليها الطالب عند الحاجة، إلى أن أصبحت بديلا واقعيا للفصول المكتظة رديئة التجهيز، حتى صارت هي الأصل فى عملية التعليم، وصارت المدرسة عبء علي الطالب ومضيعة لوقته ومجهوده دون عائد يذكر.
وفي هذا المناخ المأزوم، تراجع ثم أختفى دور المدرسة التربوي والاجتماعي والتنموي والرباضي والثقافي والفني، وهى أدوار لا يمكن تجاهلها في بناء شخصية الطالب وتجهيزه للمستقبل.
أرى بكل وضوح أن أولويات الاهتمام بالتعليم الأساسي في مصر مقلوبة رأسا على عقب، فلا (التابلت) ولا (الإنترنت) ولا تطوير المناهج المستمر يغنى عن توفير ألف باء التعليم، وهما المعلم والمدرسة، بالإضافة للطالب حاضر الذهن!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.