إبراهيم العجمي يكتب | قضايا السكان والحوار الوطني

0 355

احد أوجه القصور الفكري الشديد في تناول القضايا السكانية وما يتعلق بها من مشكلات هو اختصار القضية السكانية بكل مشكلاتها في اعتبارأن حجم السكان مشكلة يجب التخلص منها فقط، فتجد عشرات الكتب ومئات المؤتمرات والندوات وبرامج كاملة تخصص مساحتها لتتحدث عن تحديد النسل و تستفيض في طريق وانواع منع الحملة وحملات التوعية بأهمية تقليص عدد الأطفال وغيرها من الأفكار التي تدورفي نفس هذا الفلك. والتركيز على الانعكاسات السلبية للنمو السكاني المتسارع دون طرح و وضع الخطط لاستغلال هذا النمو في التنمية وتحقيق رسالة وجود البشرية من خلال إعمار الأرض كهدف سامي يؤمن به كافة المؤمنين بالأديان السماوية هو قصور فكري شديد، ويتجلي هذا القصور في كل ما يذكر من طرح في هذا الصدد. فعندما يكون أثر الزيادة السكانية على القوى العاملة هو أثر سلبي فقط بدلاً أن يكون أثر إيجابي يعود إلي نظرة الدولة للسكان على أنهم بطون خاوية تبحث عن الإشباع بدلاً من النظر لهم على أنهم ايادي ترغب في العمل والمشاركة في التنمية الناتج القومي للدولة، فهي معضلة سوء الادارة وتوزيع موارد التنمية بشكل مناسب مبني على تخطيط وأسس علمية ورؤية سياسية واقتصادية والاهم ان تكون تلك الرؤية ذات بعد إجتماعي واضح يراعي اعتبارات السكان على كافة مستويتها، ونتعمق في تجارب الاستفادة من الزيادة السكانية في دول جنوب شرق آسيا وبعض الدول الإسكندنافية التي كان رأس مالها الحقيقي في التنمية يعتمد بشكل أساسي على السكان وقدراتهم الإنتاجية وهنا يجب الحديث بشكل موسع عن جودة الخدمات الصحية والتعليم وسياسات التعليم وربطها بسوق العمل والتأهيل لما بعد التعليم الأساسي وغيرها من القضايا المفقودة في الحديث عن السكان. التماسك المجتمعي أيضاً أولوية ملحة اليوم في الحديث عن القضايا السكانية في دولة هي الأولي علي مستوي العالم في تسجيل حالات الطلاق حتى أصبح مفهوم الزواج فيها مفهوم مشوهة لدى أجيال كاملة وإلى جانب ذلك، فإن العزوف عن الزواج يتنامى أيضا في ظل المغالاة في المهور وتغيير بعض المفاهيم الإجتماعية والثقافية في المجتمع المصري.
مشكلات المرأة المعيلة والتي تشير الإحصاءات اليوم أن مصر بها نحو 12 مليون امرأة معيلة، بجانب التحديات التي تواجه المراة العاملة بل وسوق العمل في مصر بشكل عام وهنا تفرض قضايا البطالة وعمالة الاطفال وبيئة العمل وتأهيل شباب الخريجين للعمل ودراسة احتياجات السوق في المستقبل على المستوى المحلي والعالمي لتأهيل كوادر تساهم في الإنتاج بدلاً من الانضمام لطوابير العاطلين، فبالرغم من كلسوء التخطيط الذي نعيشه يساهم العاملين المصريين في الخارج وعددهم يتجاوز 12 مليون مصري بجزء أصيل الموارد الرئيسية للاقتصاد المصري من العملات الأجنبية بحيث تتجاوز تحويلات المصريين في الخارج لأكثر من 20 مليار دولارخلال الأشهر الثمانية الأولى من 2022 حسب تقرير البنك المركزي المصري. في الختام قضايا السكان هي قضية أمن قومي من الطراز الأول وإعادة النظر في رؤية الدولة للسكان كما اسلفنا الذكر أصبحت ضرورة ملحة للانتقال لجمهورية جديدة التي نتمنها، ونتمني أن يكون النظر لسكانها على انهم رأس مال الدولة الحقيقي وأهم أدوات الإنتاج والثروة بدلأً من النظر لهم على أنهم مستهلكي موارد و هذه النظرة يجب أن تنعكس في بيئة تشريعية وتكاتف بين جميع الجهات الحكومية لإعادة إنتاج سياسات جديدة تناسب تلك الرؤية، وهو ما يتطلب في البداية حكومة سياسية ذات رؤية مختلفة لتحديات المرحلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.