إسراء أبو النصر تكتب | الأنظمة السياسية والقرار السياسي العالمي (1-3)

0 340

أصبحت السياسة مصدر اهتمام معظم الناس إن لم يكن جميعهم، وكل أيديولوجيا تميل بطابعها إلى الاعتزاز والتمسك بمبادئها ومفاهيمها مما يكسبها طابعا يتسم بالأحادية تكاد تلك أن تكون حاجة بنيوية من أجل التماسك الداخلي والارتفاع إلى مستوي المشروعية من خلال ادعاء اليقين لذاتها دون ما عداها، إلا أن هذه الحاجة إلى الأحادية وصلت إلى حد التعنت في رفض المغايرة والنوع، وتشكل مقتل الأيديولوجيا ولو بعد حين.
وبالنظر إلى الماضي كان انهيار الشيوعية محفزا لسلسلة من التطورات السياسية والتاريخية من أهمها نمو الاقتصاد الرأسمالي العالمي وصعود القومية الاثنية والأصول الدينية وقيام النظام العالمي أحادي القطبية، والذي سيطرت عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وميلاد الإرهاب العالمى، وعلى ما يبدو أن التاريخ يسابق الزمن للوصول إلى تلك النتائج، فظهرت تداعيات كبري للأيديولوجيات السياسية، فهناك من أعلن وفاة الاشتراكية بوجه عام، وهناك من ادعي النصر النهائي لليبرالية الغربية، بينما يري البعض أنها في أزمة وتتكيف مع تحديات النزعات فوق القومية والتعددية الثقافية وغيرها.
يري البعض أن التبدلات التي تحدث هي أعراض لعملية أعمق وهي زوال الأيديولوجيا ذاتها، حيث لم يعد مكان في عالم ما بعد الحداثة حيث تعتنق الأيديولوجيا المثالية في السياسة، والبقاء في أي شكل أو قالب، حيث سيكون في النهاية مصير السياسة منزوعة الأيديولوجيا هو الهلاك.
يمكننا طرح الأسئلة عن الأيديولوجيات، من حيث لماذا ظهرت الأيديولوجيات في بادئ الأمر؟ وفيما تختلف الأيديولوجيات الحديثة عن مثيلاتها القديمة؟
ارتبطت الأيديولوجيات السياسية بوجه عام بطبقات اجتماعية معينة، حيث ارتبطت الليبرالية بالطبقات الوسطي والأيديولوجيا المحافظة بالأرستقراطية المالكة للأرض والاشتراكية بالطبقة العمالية، ومع ذلك يمكن للأيديولوجيات أن تنجح في ربط الجماعات والطبقات المختلفة داخل المجتمع كما هو الحال في القيم الديمقراطية الليبرالية في معظم الدول الغربية وفي الشيوعية تفرض أعلى محاولات صناعة الطاعة وممارسة التحكم.
عند النظر إلى الأيديولوجيا تفكر في نمط خاص من الفكر السياسى، هل هي على صواب أم على خطأ، تحررية أم قمعية، محتمة أم مجرد مرحلة انتقالية؟ ماذا تخبرنا الليبرالية عن الحرية؟ لماذا ناصرت الاشتراكية المساواة؟ لماذا اتخذت النازية من فكرة الجنس السامي محركا لها؟ ما الذي يمكننا معرفته عن الليبرالية والاشتراكية والنازية من حيث تصنيفها كأيديولوجيا.
إن حقيقة الأمر لا يوجد تعريف مستقر أو متفق عليه لمصطلح الأيديولوجيا وإنما هي مجموعة من التعريفات المتنافسة، ففي بادئ الأمر أقرت الأيديولوجيا بين النظرية والممارسة، كما أنها لم تستطع أن تقف بمنأي عن الصراع كمفهوم بين الأيديولوجيات السياسية، ولمدة طويلة استخدم مصطلح الأيديولوجيا كسلاح سياسي لانتقاد مجموعة الأفكار والمعتقدات الخاصة بالخصوم لها.
رغم أن أصول المصطلح واضحة، فقد تحدث أنطوان دستو دو تراسي (1784-1836) عن كلمة الأيديولوجيا أثناء الثورة الفرنسية، واستخدم علانية لأول مرة عام 1796، والأيديولوجيا عند دو تراسي تعني (علم الأفكار) الجديد، أي علم الفكرة (idea-ology) بصورة حرفية، حيث اعتقد أنه من الممكن موضوعيا الكشف عن أصول الأفكار، وأن هذا العلم الجديد سوف يتمتع بنفس المكانة الخاصة بالعلوم الراسخة كعلم الأحياء وعلم الحيوان، وأنه في النهاية ستتوج كملكة للعلوم.
وتنسب الشهرة الواسعة لمصطلح الأيديولوجيا إلى كارل ماركس وما تلاه من اهتمام واسع لمصطلح على يد المفكرين السياسيين، فقد استخدم ماركس الأيديولوجيا كمصطلح في عمله الأيديولوجيا الألمانية ورؤيته لها «تعد الأفكار السائدة في كل طبقة أفكار الطبقة الحاكمة، أي أن الطبقة التي تمثل القوة المادية الحاكمة في المجتمع هي في نفس الوقت القوة الفكرية الحاكمة، فالطبقة التي تملك وسائل الإنتاج المادي تحت تصرفها تسيطر في ذات الوقت على وسائل الإنتاج العقلي بحيث يمكن القول بوجه عام عندئذ إن أفكار الذين لا يملكون وسائل الإنتاج العقلي تخضع لها (أي الطبقة الحاكمة)».
مع تقدم القرن التاسع عشر اكتسبت الأيديولوجيا طابعا أكثر وضوحا وصارت مرتبطة بطبقة اجتماعية، فكانت الليبرالية أيديولوجية الطبقة الوسطي الصاعدة، والمحافظة أيديولوجيا طبقة الأرستقراط والنبلاء، الاشتراكية أيديولوجية الطبقة العاملة، وتطورت معها الأحزاب السياسية لتعبر عن الأيديولوجيات عمليا وعن مصالح طبقتها التي تمثلها.
أصبحت خطوط التنافس بين الاشتراكية والرأسمالية حادة بشكل كبير، خاصة بعد الثورة الروسية 1917 والتي خلقت أول دولة اشتراكية في العالم، وداخل القرن العشرين واندلاع الحرب العالمية الأولي عام 1914 ونهاية الشيوعية بين عامي (1989 – 1991)، وفترة الحرب الباردة «1945-1990»، حيث حددت الخطوط الأيديولوجية شكل السياسة الدولية، فانقسم العالم لمعسكرين، الغرب الرأسمالي في مواجهة الشرق الشيوعى، وذلك من خلال محاولات كل معسكر القضاء على الآخر وفرض سيطرته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.