حسن مدن يكتب | المشطوب من التاريخ

0

علينا أن ننتظر وقتاً قد لا يطول، لنشاهد على منصة «نتفليكس»، فيلماً من تأليف تايلر بِري، وتقوم ببطولته كل من أوبرا وينفري وكيري واشنطن، يتحدث عن صفحة مضيئة في التاريخ الأمريكي، ولكن البواعث والنزعات العنصرية طمستها، كما طمست سواها من صفحات مثيرة للجدل لا في التاريخ الأمريكي وحده، وإنما في تواريخ كل الأمم.
وولدت فكرة الفيلم عندما اطلع مؤلفه على مقال بمجلة مختصة بتاريخ الحرب العالمية الثانية بقلم المؤرخ كفين إم. هايمل عام 2019، يتصل بهذه الصفحة «المطموسة».
الحديث يدور عن قصة كتيبة من النساء السوداوات، أرسلتهن الولايات المتحدة إلى إنجلترا، إبان الحرب العالمية الثانية، لحل أزمة البريد، حيث لبت 855 سيدة نداء الجيش الأمريكي، لرفع معنويات الجند، وحل مشكلة الخطابات والطرود البريدية التي تراكمت في إنجلترا على مدى عامين، فأبحرت عضوات الكتيبة إلى المملكة المتحدة، واستقر أفرادها في مدينة برمنغهام.
ووفق ما أوردته «بي.بي. سي»، فإن الميجور، تشاريتي آدامز، التي كان عمرها آنذاك 26 عاماً، أصبحت أول سيدة سوداء تقود كتيبة تابعة للجيش الأمريكي خارج البلاد، وساهمت هي ووحدتها في حل مشكلة ضخمة، ومع أن الكتيبة مُنحت مدة ستة شهور لإنجاز المهمة، ولكنها تمكنت من إنهائها في نصف تلك المدة، حيث شكلت فرقاً تناوبت العمل على مدى 24 ساعة، وأخذت ترتب وتصنف 17 مليون خطاب وطرد، رغم أنهن عملن «في مبان مكتظة خافتة الإضاءة تفتقر إلى التدفئة، وكانت أكوام الخطابات والطرود تصل إلى السقف».
وعلى الرغم مما اكتسبته عضوات الكتيبة من سمعة طيبة لكفاءتهن وتفانيهن في العمل، لكن عندما عدن إلى الولايات المتحدة في عام 1946، لم يتم الاحتفاء بهن، أو إبداء أي شكل من الاعتراف أو الامتنان لهن لما حققنه من إنجازات، ما حمل ضابطة متقاعدة من الجيش الأمريكي على القول: «نادراً ما أسمع أي شيء عن النساء السوداوات اللاتي خدمن في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، وكأنهن قد شُطبن من التاريخ».
الحق أن الفيلم المنتظر سيكون أحد أوجه الاعتراف المتأخر بدور هؤلاء النسوة، فبفضل جهود بذلت من مهتمين ومهتمات، أقيم نصب تذكاري مكرس لعضوات الكتيبة في ولاية كانزاس الأمريكية عام 2018. وبعد ثلاث سنوات، وقبل شهور قليلة فقط، وقع الرئيس الأمريكي على قانون بموجبه تمّ منحهن أرفع وسام مدني في الولايات المتحدة.
حكاية تدفعنا إلى إعادة طرح السؤال عن الصفحات التي طمست أو شطبت من التاريخ، خاصة تلك التي تتصل بأدوار الجماعات المهمشة، لأسباب عنصرية أو دينية، سياسية أو ثقافية، أو سواها، ممن استثناها التاريخ المكتوب من صفحاته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.