د. رامي عبد الباقي يكتب | نسائم يناير الثقافية
مع حلول العام الجديد بشهره الأول، يناير، تبدأ النسائم الجميلة المُحببة إلى الأنفس في الهبوب. لن نتحدث عن نسائم الثورة المصرية الكبرى أو عيد الشرطة المصرية أو نجتر ذكريات بدء مسلسل ثورات الربيع العربي. بل أتحدث عن النسائم الثقافية، معرض القاهرة الدولي للكتاب، أكبر حدث ثقافي في الشرق الأوسط وأول معرض للكتاب في المنطقة العربية وثاني أكبر معرض للكتاب في العالم بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. ذلك الحدث الذي ينتظره الملايين في كافة أرجاء الوطن العربي منذ ستينات القرن الماضي. فن تسوق واختيار الكتب المختلفة من بين مئات بل آلاف العناوين والتي تصدر سنويًا، مُتعة التنقل بين دور النشر المختلفة بمختلف إصداراتها، شغف البحث عن عناوين ظن البعض أنها اندثرت أو تم نسيانها سهوًا أو عمدًا.
كل تلك العوامل وأكثر تجعل معرض القاهرة الدولي للكتاب حدثاً فريداً ينتظره الملايين سنويًا، ولكني أريد التحدث عن شخصين حافظا على رونق وقيمة المعرض وقاما بخلق جيل جديد من القراء نقلاهما بسلاسة من مرحلة القصص المصورة لمرحلة الأدب العربي والعالمي، وهما: د. نبيل فاروق، ود. أحمد خالد توفيق رحمهما الله.
في أول مؤلفاتي كان الإهداء الأول في حياتي غريبًا بعض الشيء، ما زالت أتذكر فحواه، رغم مرور العديد من السنوات، والذي كان:
“إلى من علمني القراءة .. أمي
إلى من علمني ماذا أقرأ .. د.نبيل فاروق
إلى من علمني كيف أقرأ .. د. أحمد خالد توفيق
إلى من علمني لماذا أقرأ .. باولو كويليو ”
كلمات لخصت بها كيف صاغ العظيمان فكر جيل كامل من الشباب، في العام 1985 كان صدور أول أعداد سلسلة ملف المستقبل ل د. نبيل فاروق وكانت بداية تغير المشهد الثقافي لجيل الشباب العربي. كان ذلك الجيل فاقدًا للاهتمام من الأدباء العرب على الرغم من وجود قامات أدبية كبيرة إلا أن أحداً منهم لم يفكر في الكتابة لتلك الفئة العُمرية وهو ما فعله د.نبيل فاروق، حيث قام بأخذ أيدي تلك الفئة من مرحلة القصص المصورة لمرحلة أخرى؛ سلاسل مثل رجل المستحيل وملف المستقبل وكوكتيل 2000 وفارس الأندلس وغيرها الكثير قام بصنع جيل مختلف وتقديم معلومات وفتح نوافذ جديدة لذلك الجيل. وهنا أتى دور رجلنا الثاني في العام 1992 بدأ د. أحمد خالد توفيق في إصدار سلسلة ما وراء الطبيعة والتي جذبت العديد من الشباب العربي إليها لاختلاف ما تقدمه عن غيرها في تلك الفترة وبعدها بسنوات قام الراحل بإصدار سلسلة فانتازيا وهي السلسلة التي كانت حلمه كما قال دومًا. تتحدث السلسلة عن مغامرات إحدى الفتيات في أرض الخيال، تقابل شكسبير مرة وتكون زوجة لأوديسيوس مرة وتعاصر حادث إلقاء القنبلة النووية على الأراضي اليابانية ومرة أخرى تتجول بين كبار شعراء العرب وتلهو مع توم سوير وتهرب من جماعة الخنّاقين. وهكذا في رحلات غير منتهية طالما العقل والإبداع البشري يعملان وينتجان عبقرية تلك السلسلة أنها كانت بداية الخيط لعوالم أخرى.
العدد رقم ثلاثون من السلسلة مثلاً والذي كان بعنوان (عبقري) كان البداية لعالم دوستويفسكي الساحر، ومن عالم دوستويفسكي بدأ عوالم تشيخوف وتولستوي وكوبرين وباسترناك وغيرهم في الظهور، ثم تلا ذلك مرحلة التاريخ الروسي والذي بطبيعة الحال يتصل بالتاريخ العالمي.. وهكذا
كان المعرض لجيلي وما زال عبارة عن مناسبة لاقتناء إصدارات الراحلين والبحث عن النوافذ الجديدة واللذان قاما بفتحها لجيل كامل جيل تخطى مرحلة القراءة وانتقل لمرحلة الكتابة .. ولكن هذا حديث آخر إن كان في العُمر بقية.