د. محمد علاء يكتب | الأغنياء أيضًا يُحاكمون علنًا

0 658

هز الشارع المصري منذ عدة أسابيع قليلة عدد من الحوادث التي صدمته إما لفرط ما فيها من عنف، أو لما كشفت عنه من فساد، أو كليهما، وهي حوادث مقتل طالبة جامعة المنصورة نيرة أشرف أمام أسوار الجامعة علي يد زميلها، ومقتل المذيعة شيماء جمال علي يد زوجها، وسرقة لوحات فنان روسي من قِبل مصممة الجرافيك غادة والي، ووضعها على حوائط محطة مترو كلية البنات.

وأجد من الضروري على أجهزة الدولة المعنية مراعاة الشفافية والحزم في إجراءات التحقيق في هذه القضايا تأكيداً لمبادئ العدالة والمساواة وسيادة القانون، وهي المبادئ التي أقرتها الدولة في “استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030”.

أول هذه الحوادث، حادثة مقتل الطالبة نيرة أشرف علي يد زميلها محمد عادل، وهي الحادثة البشعة التي سجلتها كاميرات المراقبة أمام الجامعة وانتفض لها المجتمع المصري لما فيها من فرط عنف ودموية، كما استدعت قضايا حقوق المرأة وضرورة حماية المبلغين عن تهديدات يتعرضون لها، خاصة إذا طالت هذه التهديدات الحق في الحياة، هذ الحادثة تابعتها وسائل الاعلام وأفصحت عن اسم مرتكبها منذ اللحظة الأولي، ونقلت اعترافاته المسجلة خلال المحاكمة.

شملت الحادثة الثانية نفس العنصرين: العنف والدموية المفرطين وحقوق المرأة، وزاد عليهما الفساد، وهي واقعة مقتل المذيعة شيماء جمال علي يد زوجها المستشار بمجلس الدولة أيمن حجاج، ويلفت النظر هنا أننا عرفنا اسم محمد عادل، قاتل نيرة أشرف، منذ اللحظة الأولي للحادثة، بينما بقي اسم المستشار يشار إليه بالأحرف الأولي فقط، وهو بالمناسبة الاجراء الأقرب لقواعد العدالة وسلامة الإجراءات القانونية، فالمتهم برئ حتى تثبت ادانته.

أثار اهتمام وغضب الرأي العام في هذه القضية، إضافة إلى بشاعتها، حجم الثراء الفاحش واستغلال المنصب الذي مكن المستشار أيمن حجاج من جمع ثروات عقارية ومالية طائلة كان يمكن أن تستمر مخفية لولا انكشاف واقعة القتل، التي كان بالإمكان أن تستمر هي الأخرى سراً لولا ابلاغ شريك الجريمة علي المستشار القاتل، ربما لخلاف مالي بينهما.

الحادثة الثالثة هي سرقة لوحات الفنان الروسي جورجي كوارسوف من قبل “فنانة” مدعية واستخدامها في إحدى محطات مترو الأنفاق المصري، ورغم انتفاء عنصري العنف والدموية فيها، أجدها الأكثر ضرراً على المدي البعيد، فسرقة الإبداع والتحايل وتحقيق أرباحاً طائلة بالغش والتدليس تعطي مُثلاً سيئة لملايين الشباب ممن قد يرون طريق العمل والاجتهاد غير مجدٍ بل وغير مرغوب فيه لغياب تكافؤ الفرص والحماية اللازمة للمبدعين لجني ثمار ابداعهم.

من جانب آخر، يمس هذا التجاوز الخطير بسمعة مصر عالمياً، فكيف للأمة التي أخرجت مبدعين في شتي المجالات أثروا الفكر والفنون والعلوم حول العالم منذ فجر التاريخ، كيف لهذه الأمة أن تعدم مبدعين قادرين على استقاء ابداعات من تاريخهم وفنونهم والتعبير عن هويتهم؟ صحيح أن الشركة الفرنسية المسئولة عن محطات مترو أنفاق الخط الثالث هي المسئولة عن منح شركة غادة والي مشروع تصميم وتنفيذ الجداريات بالأمر المباشر، وهي غير ملزمة قانوناً بإجراء مناقصة لاختيار أفضل العروض كما هو الحال مع الهيئة القومية للأنفاق، إلا أن النتيجة النهائية كانت وجود رسومات مسروقة في إحدى محطات مترو الأنفاق المصرية، وفي جميع دول العالم، ترتبط المرافق الكبرى مثل مترو الأنفاق بالدولة حتى وإن نفذها القطاع الخاص بشكل كامل أو بالشركة مع القطاع العام.

إن التجاوز والتقصير واردين في كافة المجتمعات، ولكن أسلوب التعامل معهما هو ما يميز الدول القادرة على حماية الأفراد والمجتمعات وإقامة مسار للتنمية على أسس من العدالة والمساواة وسيادة القانون. ولقد شاهدنا اعترافات محمد عادل قاتل زميلته في جامعة المنصورة، وقرأنا نصوص اعترافات المستشار أيمن حجاج المتهم بقتل زوجته المذيعة، ثم ما لبث أن تم حذر النشر في القضية، ولا نعرف الكثير عن تفاصيل التحقيقات الأخرى الموازية بشأن ثروته التي تضخمت باستغلال منصبه.

كما نعلم أن الهيئة القومية للأنفاق والشركة الفرنسية قد اتخذتا القرار السليم بالإعلان عن مقاضاتهما لشركة غادة والي، ولكن من حق الرأي العام أن يعلم حجم المبالغ المالية التي حققتها شركة غادة والي بالاحتيال وسرقة أفكار الآخرين، والمتضررين من ممارساتها، وحجم الغرامة المالية المطلوبة في ساحات القضاء، وما إذا كانت أطراف أخري قد بدأت في مقاضاة الشركة، وتبرير مصممة الجرافيك لأفعالها أمام القضاء، إلخ.

إن العدالة الناجزة تقتضي المصارحة والشفافية تأكيداً لمبادئ سيادة القانون والعدالة والمساواة، وهي المبادئ التي ينبغي التأكيد على حماية الدولة لها، وأن تستقر هذه القناعة لدي الجميع، خاصة الشباب، وبدون استقرار هذه القناعة سيستمر التقصير والاستسهال والفساد وهروب المبدعين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.