د. وليد عتلم يكتب | البريكس .. تحدي للهيمنة أم عدالة للتنمية

0 891

من بين 40 دولة أبدت اهتمام للانضمام للتجمع، و22 دولة قدموا طلبات رسمية للانضمام للبريكس؛ القمة الـ 15 اللي عقدت بجوهانسبرج عاصمة جنوب أفريقيا تحت شعار “بريكس وأفريقيا”، وافقت على عضوية دائمة ل 6 دول هم: مصر- إثيوبيا – المملكة العربية السعودية – دولة الإمارات العربية المتحدة – إيران – الأرجنتين، ليتحول التحالف إلى “بريكس بلس” ويصبح البريكس حقيقة وواقع، ويمثل المكون الأفريقي والعربي ثقل مهم بين دول التجمع.
التجمع أصبح يمثل قيمة اقتصادية مهمة عالميًا يضم الاقتصادات الناشئة الكبرى، ويبلغ حجم اقتصادات دول المجموعة 25.9 تريليون دولار حتى عام 2022، ويسيطر أعضاؤه على 20% من حجم التجارة العالمية، ويشغل ما يقرب من 27% من مساحة العالم، وتقدر نسبة سكان التحالف بنحو 41% من سكان العالم. هذه المؤشرات مجتمعة تعكس أهمية التجمع بالنسبة للاقتصاد العالمي ومدى إسهامه في سلاسل الإمداد العالمية. كذلك يمثل التجمع سوقًا عالمية هائلة من حيث قوة العمل والإنتاج وكذلك التوزيع والاستهلاك.
إضافة إلى ما سبق؛ فإن تنوع الهياكل الإنتاجية لدول التجمع واختلاف نطاقها الجغرافي والإقليمي على عكس ما هو ما متبع عادة في التكتلات التجارية والاقتصادية وحتى السياسية ذات الحيز الجغرافي الواحد كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، يعطي مرونة كبيرة للتجمع فيما يتعلق بميزة المبادلات التجارية في عديد السلع والصناعات والمجالات، فإذا أضفنا على ذلك السعودية المنتج الأول للنفط في العالم، ومصر بما تملكه من موقع استراتيجي فيما يتعلق بحركة النقل والتجارة العالمية، الإمارات بما تملكه من وفورات اقتصادية، إلى جانب الدول الست الأخرى اللي تم الموافقة على انضمامها، وربط ذلك كله بما يحدث في غرب افريقيا من انقلاب هو بالأساس على الهيمنة الغربية التقليدية، هنا كان لابد للدول الغربية انها تقلق. لأنها بدأت تنظر للتجمع على أنه خطوة على طريق إعادة صياغة النظام العالمي اقتصاديا وسياسيا نحو عالم “متعدد الأقطاب” يتحدى بالأساس الهيمنة الغربية السائدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك؛ ورأى أن مجموعة “بريكس” تمثل الأساس الجديد للأمم المتحدة في المستقبل، وهو الأمر الذي قد يسبب “هزة ضخمة” للمؤسسة الأممية المهيمن عليها تماما من الكتلة الغربية.
فهل انقلب السحر على الساحر؟؟ خاصة إذا ما علمنا أن تجمع البريكس هو فكرة غربية بالأساس !!! .. كيف هذا ؟؟
أول ظهور لمصطلح “BRIC” في عام 2001 كان من قلب رمز الهيمنة الغربية من قبل الاقتصادي جيم أونيل، الرئيس السابق لمجموعة جولدمان ساكس وهي واحدة من أشهر المؤسسات المصرفيَّة في الولايات المتَّحدة والعالم، ووزير الخزانة البريطاني السابق، وأحد المهتمين دائما بالاستفادة، ودعنا نسميها (الاستفادة) من الثروات الأفريقية هو أول من لفت الانتباه إلى معدلات النمو القوية في البرازيل، وروسيا، والهند، والصين.
وكان المقصود من هذا التقرير أن يكون أطروحة متفائلة للمستثمرين وسط تشاؤم السوق في أعقاب الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من ذلك العام. لكن الدول الأربعة لم تكذب خبرًا؛ أخذوا الفكرة وتعاملوا معها. وكان نموهم السريع في ذلك الوقت يعني أن لديهم مصالح مشتركة وتحديات مشتركة. وشعروا أن تأثيرهم في النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة سيكون أكبر إذا تم توحيد أصواتهم. ونظمت روسيا الاجتماع الأول لوزراء خارجية بريك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2006. وعقدت المجموعة أول قمة لقادتها وعُقِد اجتماعه الأول في عام 2008 باليابان على هامش قمة مجموعة الثماني G8؛ وتم دعوة جنوب أفريقيا للانضمام في نهاية عام 2010.
الدول الغربية وعلى الرغم من التصريحات الرسمية اللي جاءت كلها في سياق أنه من حق الجميع التعاون وتحقيق المكاسب، غير أن التقارير الصحفية والإخبارية خاصة من المؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى عكست قلق مبطن من جانب، وحاولت التقليل من أهمية تجمع البريكس من جانب آخر وأثارت الشكوك حول قدرته على التحول والمضي قدما من أنه يكون قوة اقتصادية عالمية تتجاوز هيمنة مؤسسات نظام بريتون وودز الاقتصادية ممثلة في البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية.
وهنا لنا وقفة خاصة فيما يتعلق بأفريقيا؛ خاصة فيما يتعلق بالحصول على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية الجديد التابع لتجمع، والذي منذ إطلاقه في يوليو 2014، وافق على ما يقرب من 100 مشروع قرض للتنمية والبنية التحتية بقيمة تزيد على 30 مليار دولار أمريكي، بما يساعد في الهروب من حصار صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي واشتراطاتهم القاسية. وكم عانت القارة ودولها من برامج التكيف الهيكلي التي فرضها البنك والصندوق دون مراعاة لخصوصية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول القارة الأفريقية.
من أبرز التقارير التي عكست القلق الغربي المتزايد، ما نشرته الواشنطن بوست تحت عنوان ” كيف أصبح البريكس ناديًا حقيقيًا ولماذا ينضم إليه الآخرون”، الذي أشار إلى أن البريكس أصبح كيان ونادي حقيقي لدول الجنوب، خاصة بعد اضمام أحد أكبر منتجي الطاقة، وهو ما يعد مجال جديد لتحدي هيمنة الدولار على تجارة النفط والغاز وتحولها إلى عملات أخرى.
هذا المعنى أكد عليه أيضا جيم أونيل الذي قال إن انضمام المملكة العربية السعودية على وجه التحديد لتجمع البريكس؛ سيكون له أبعاد اقتصادية كبيرة، وأنه حدث كبير للغاية.
رويترز هي الأخرى في تقرير لها حول قمة البريكس؛ ذهبت إلى أن “تجمع البريكس يمثل ثقلًا موازنًا للهيمنة الغربية على المؤسسات العالمية”.
“الجارديان” ذائعة الصيت والانتشار في بريطانيا؛ حاولت كالعادة وضع السم في العسل على هامش القمة؛ حيث أشارت في تقرير لها أن هناك انقسامات بين الأعضاء الرئيسيين، وأن كلا من الهند والبرازيل على وجه الخصوص تعارض توسع المجموعة وضم أعضاء جدد، وأن كلتا الدولتين ترفضان تحول البريكس لرمز علني مناهض للغرب. لكن الحقيقة عند قراءة متن التقرير ونصه، نجد أن تلك التصريحات هي على لسان باحث هندي متخصص في العلاقات الدولية يدعي هارش بانت، تابع لمؤسسة أبحاث إنجليزية هي “مؤسسة الأوبزرفر للأبحاث الهندية (ORF)”، وأنها ليست تصريحات رسمية عن مسئولي الدولتين؛ لكنها مجرد رؤى فكرية بحثية تحتمل الخطأ والصواب. غير أنها تعكس قلقا غربيا عميقا ومبطنا.
والأيام القادمة سوف تجيب على سؤال الساعة، عما إذا كان “البريكس” تحدي للهيمنة الغربية، أم توازن وعدالة للتنمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.