د. وليد عتلم يكتب | “شابيلا”.. تفعيل القوة الناعمة المصرية

0 1,215

عرضت قناة “القاهرة الإخبارية” الإنتاج الوثائقي المصري الأول من داخل إقليم “شابيلا” في دولة الصومال، من سيناريو وإخراج الإعلامي الدكتور محمد سعيد محفوظ. “شابيلا” إقليم يقع في جنوب شرق الصومال، وهو الإقليم الأخطر والأكثر بؤسًا وفقرًا في دولة الصومال. وهو التجسيد الأكثر واقعية للدولة الفاشلة في الصومال؛ حيث تتضافر فيه عوامل التناحر القبلي والحرب الأهلية، والإرهاب مع تداعيات التغير المناخي ممثلة في التصحر والجفاف والمجاعة.
“شابيلا” يضرب أكثر من عصفور بفيلم واحد؛ فهو تفعيل مباشر للقوة الناعمة المصرية، وبداية العودة للريادة الإعلامية المصرية. خاصة وأن التلفزيون المصري منذ بداية إرساله في يوليو من عام 1960 كان سباقاً في الإنتاج التسجيلي والوثائقي، إلى جانب الإنتاج الفني والروائي. وهو ما ذكرتنا به “القاهرة الإخبارية” من خلال “شابيلا” حيث المنتج الوثائقي الوطني الذي يرصد أوجه النشاط الإنساني في تفاعله مع محيطه في عوالم الجنوب، بمختلف محدداتها: السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية، البيئية، والأمنية.
سياسياً؛ الفيلم يعالج إشكالية مهمة في مسار العلاقات المصرية الأفريقية الفاعلة تماماً على المستوى الرسمي، ويقدم اقتراب جديد لمعاجلة أزمة المدركات السلبية المتبادلة بين الطرفين على مستوى الشعوب غير الرسمي، حيث الغياب المصري الطويل عن التفاعل مع النخب الأفريقية الحاكمة خلق فجوة في الإدراك، التواصل والفهم بين الطرفين.
أمنياً؛ لمس الوثائقي نقطة حساسة جداً في العصب الأفريقي؛ فالصومال هي “كعب آخيل” القاتل في القرن الأفريقي؛ إذ تمثل الصومال أهمية استراتيجية كبيرة لموقعها المؤثر في القرن الأفريقي، وما يمثله من أهمية استراتيجية؛ حيث يحتل القرن الأفريقي، موقعاً استراتيجياً مؤثراً في منطقة جنوب البحر الأحمر، ويتمتع بخصائص استراتيجية وأهمية جيوبولوتيكية، حيث يمثل القرن الأفريقي أحد أهم معطيات أمن الطاقة العالمي والإقليمي، وذلك لاتصاله المباشر بمضيق باب المندب الشريان الرئيسي للاقتصاد العالمي؛ فهناك 52 سفينة، و4 ملايين برميل من النفط تمر عبر المضيق يوميًّا، و50 مليون طن من المنتجات الزراعية، وطبقًا لتقرير الطاقة السنوي الصادر عن جامعة كولومبيا عام 2018، فإن إغلاق باب المندب كممر مائي، ولو مؤقتًا، يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تكاليف الطاقة الإجمالية، وأسعار الطاقة العالمية؛ حيث إن إغلاق باب المندب سيمنع وصول نفط الخليج العربي إلى قناة السويس، أو خط أنابيب سوميد، وتحويلها إلى الطرف الجنوبي من إفريقيا، مما يزيد من وقت العبور وتكلفته، بالإضافة إلى ذلك، لن يعود بالإمكان لتدفقات النفط الأوروبي والجنوبي الإفريقي التوجه إلى الأسواق الآسيوية عبر قناة السويس وباب المندب، وطبقًا للتوقعات الاقتصادية فإن التكاليف الإضافية للنقل البحري سوف تتزايد بمقدار 45 مليون دولار يوميًّا، إضافة إلى الارتفاع في تكاليف الشحن المترتبة على زيادة مسار الناقلات بحوالي 6000 ميل بحري. لذلك الصومال أهم دول منطقة القرن الإفريقي من حيث الأهمية الاستراتيجية والأمنية؛ غير أنها في الوقت ذاته أكثرها ضعفًا وخطورة.
بيئياً؛ جسد لنا الفيلم في واقعية صارمة، التأثير الحقيقي، والصورة الفعلية لتداعيات التغير المناخي؛ حيث التصحر والجفاف، وما نتج عنهم مجاعات إلى جانب الحرب الأهلية والنزاعات العشائرية كلها شكلت بيئة خصبة للإرهاب والتطرف، وجلها عوامل أدت إلى شيوع نمط “اللاجئين البيئيين/ لاجئو المناخ” أو “النازحين البيئيين”، حيث أسفرت التغيرات المناخية الحادة، عن اضطرار الآلاف للهرب من الجوع والجفاف، وحكم الميليشيات بحثاً عن فرص اقتصادية آمنة، كنتيجة مباشرة للصراعات الداخلية والعابرة للحدود من جانب، والتغيرات المناخية الحادة مثل: ارتفاع مستوى البحار، الجفاف والتصحر، ندرة المياه وتقلص المساحات القابلة للزراعة. وهو ما يدلل بجلاء تام على عدالة القضايا والتوجهات التي تتبناها الدولة المصرية، وعلى رأسها قضايا التطرف والإرهاب، وتداعيات التغير المناخي.
“شابيلا” عكس مدى الاهتمام المصري بتلك القضايا على مستوى القارة؛ فالقارة الأفريقية على وجه الخصوص تعج بعديد النماذج والأمثلة التي تعاني؛ سياسياً، اقتصادياً، واجتماعياً وأمنيا نتيجة للتغيرات المناخية وما نتج عنها من اتساع نطاق الجفاف والتصحر وندرة المياه، أصبحت الصراعات الحدودية قائمة على التنافس على المناطق الرعوية، حيث تندلع صراعات عنيفة حول الثروة الحيوانية، ومناطق الرعي والمياه، والصومال النموذج الأبرز. لذلك “شابيلا” أكثر من مجرد فيلما وثائقيا. “شابيلا” رؤية ورسالة مصرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.