رامي جلال يكتب | مقال بمفهوم جديد

5 2,193

إن كان الشعار العام لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين هو “سياسة بمفهوم جديد”، والشعار الأكثر خصوصية لهيئتها البرلمانية هي “برلمان بمفهوم جديد” فلابد أن يكون شعر موقع مقالات التنسيقية هو “مقال بمفهوم جديد”. وهذا المفهوم الجديد متعلق بنمط تلقي الوسيلة الإعلامية، وليس الجمهور، للمقال؛ فالحجب والمنع والحذف وغيرها من تقنيات تقييد الحريات، لن تجد لها مكانًا في كيان سياسي قام أصلًا على فكرة التنوع، وأعتقد أن لهذا علاقة بموسيقى الراب!
خرجت لنا موسيقى الراب فى سبعينيات القرن الماضى، من حى «برونكس» بمدينة نيويورك. وهي عندنا مثل الأوبرا، لا جذور قوية لها لأنها لم تنبع من طينة أرضنا (قارن بعد رواج الأوبرا ورواج أغاني المهرجانات، وتذكر بالمناسبة أن الرواج لا يعكس القيمة بالضرورة). عمومًا هي موسيقى تعبر عن حالة تمرد. ومن فرق الراب الرائجة في مصر فرقة «كاريوكى» ولهم أغنية يعرفها جيدًا محبو هذا الفن، وهي تقول: «يا أبيض يا أسود قصة حياتي وكل حكاياتي، مع إني عادى أعيشها في النص رمادي».

كلمات الأغنية تطرح قضية أحادية التفكير والاستقطاب والاختيارات المتطرفة للبعض. من المرجح أن هناك عددًا لا نهائيا من الألوان في الكون.. والألوان منها ما هو أولى؛ وتلك تتواجد بنفسها، ولا تنتج عن عمليات خلط، وهى: (الأحمر، الأزرق، الأصفر).. وبخلط أي لونين مما سبق نحصل على الألوان الثانوية وهى: (الأخضر والأصفر والبرتقالي).. كما أن خلط لون أولي مع لون ثانوي، بنسب متساوية، ينتج لونا ثالثيًا، مثل ألوان: اللازوردي والنيلي.. ويمكن كذلك تصنيف الألوان بطرق عديدة أخرى؛ فهناك الألوان المحايدة، وهي: (الأسود، والأبيض، الرمادي). والألوان الباردة التي تعبر عن الماء والسماء وهي: (الأخضر والأزرق والبنفسجي). والألوان الدافئة التي تعبر عن النار والدم وهي: (الأصفر والبرتقالي والأحمر).

كل ما سبق من خلطات هو خاص بالصبغات، أما إذا كنا نتحدث عن مزج الأضواء الملونة فإن نتائج مختلفة ستكون في انتظارك (أضواء زرقاء وحمراء وخضراء ستُكون معًا ضوءًا أبيض، بينما صبغات التتابع اللوني السابق نفسه ستعطى خليطًا بنيًا مائلًا للسواد). هذا الثراء اللوني الفريد الذى قدمه لنا الخالق، لم يكن شفيعًا للبعض لتفهم أن الحياة بُنيت على التنوع، وأن محاولة فرض لون واحد- أيًا كان- جريمة في حق الخالق والمخلوق.

عندنا، يُهمل البعض «دائرة الألوان» كلها، ويختارون عمى الألوان الأحادي؛ فالحياة عندهم إما بيضاء ناصعة أو سوداء حالكة، وهو تجاهل غريب لعدد لانهائي من البدائل والاختيارات. وحتى من يحاول الوقوف في المنتصف، في المنطقة الرمادية، أصبح يوصف بأنه بلا موقف، وذلك على الرغم من أن اللون الرمادي نفسه له تسع درجات على الأقل، وكلها وسط بين بياض الثلج وسواد الليل. (بالمناسبة: من الناحية العلمية فإن كلا من الأبيض والأسود والرمادي ليست ألوانًا أصلًا، ويُطلق عليها «ألوان بلا لون»، وهذا موضوع آخر.

الطبيعة تقدم لنا درسًا قيمًا وفريدًا، فعلميًا؛ لا يوجد شيء اسمه ألوان (بجد)، الألوان هي مجرد ترجمة خادعة تقوم بها أدمغتنا للتفريق بين الأطوال الموجية المختلفة للضوء في النطاق المحدود للضوء المرئي (عيوننا لا نرى مدى واسع جدًا من الاشعاعات مثل: تحت الحمراء وفوق البنفسجية وأكس وجاما وغيرها). لا توجد ألوان، وبالتالي فلا أحد منا، على الإطلاق، يرى الحقيقة ويمتلكها، كلنا نعبر عما يظنه عقلنا أنه حقيقة.

لو زارنا كائن فضائي لديه مستقبلات ضوء أكثر في عينيه، سيرى أطيافًا جديدة ويختلق عقله ألوانًا مبتكرة للتفريق بينها. هذه الألوان الجديدة لن يتمكن أحد من التعبير عنها لغويًا بكلامنا الأرضي، فلا ترجمة لها في تراثنا العقلي؛ فهي أشياء لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على بال إنسان.

5 تعليقات
  1. […]  رامي جلال يكتب “مقال بمفهوم جديد”.   : https://bit.ly/3kwufPm •    راجية الفقي تكتب | الاستعداد لـ “الميتا فيرس” : […]

  2. […]  رامي جلال يكتب “مقال بمفهوم جديد”.   : https://bit.ly/3kwufPm•    راجية الفقي تكتب | الاستعداد لـ “الميتا […]

  3. […]  رامي جلال يكتب “مقال بمفهوم جديد”.   : https://bit.ly/3kwufPm •    راجية الفقي تكتب | الاستعداد لـ “الميتا فيرس” : […]

  4. عادل الباجوري يقول

    أحسنت أستاذ رامي مقال رائع بمفهوم جديد يفتح آفاق جديدة

  5. معتز الشناوى يقول

    مقال رائع .. وبداية موفقة نعول عليها كثيرا، ونأمل أن تحقق كل الخير لوطننا الغالي، فقد أصبحت التنسيقية هى قاطرة الامل للحياة السياسية المصرية، وبخاصة لجيل الشباب

إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.