رحاب عبدالله تكتب | مصريون رغم أنف الجميع

0 262

محاولات مضنية يبذلها الكثيرون من مختلف الأعراق والأجناس لسرقة التاريخ والهوية المصرية، بدأت باليهود الذين عكفوا سنوات طويلة لإثبات أنهم بناة الأهرام وبناة الحضارة التي لا تغيب عنها الشمس.
فتارة يعبثون بمومياء الملك العظيم رمسيس الثاني حين سافرت إلى فرنسا للترميم في سبعينات القرن الماضي ويتحدثون عن العثور على نسبة عالية من الملح بالمومياء فيروجون كذبا بأن رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي مات غرقا في البحر، ثم وبعد عشرات السنوات يتم العثور على سر التحنيط في مصر القديمة ونكتشف أن المادة الأساسية المستخدمة في التحنيط هي ملح النطرون وأن جميع المومياوات بها نسبة عالية من الملح نتيجة لتحنيطها باستخدامه.
فجأة تريد أوروبا وأمريكا أن يكفروا عن ذنبهم تجاه الأفارقة والبشر ذوات البشرة السوداء الذين استعبدوهم لقرون طويلة ولكن كعادتهم لن يدفعوا الثمن مما يملكون بل يبحثون عن من يحاسب على أخطائهم لتظهر حركة المركزية الأمريكية” الأفروسنتريك” لإقناع الأفارقة بأنهم هم بناة الحضارة المصرية القديمة.
ولأن ما يقولونه عبث وليس عليه دليل واحد يشهد فالأفارقة تم تصويرهم كأسرى ومتمردين مهزومين أسفل أقدام ملوك مصر، كما وضعت صورهم على أنعلة الملك توت عنخ آمون ومقدمة عصاه الذهبية، كذلك ليس هناك في الدنيا حضارة تبني في بلد غيرها ولا تترك في بلادها ولو أثر واحد.
فالحضارة الرومانية واليونانية التي تركت أثارها بمختلف البلدان ستجدها بصورة أكبر وأعمق سواء بروما أو اليونان، فلن تجد في الدنيا ملوكا يتركون أرضهم فضاء ليصنعوا المجد في بلاد الغير.
عندما عجزوا ويعلمون أنهم عاجزون بدأوا في ترديد نغمة جديدة وهي أننا لسنا نحن أحفاد المصريون القدماء مدعين كذبا أننا أحفاد العرب الذين دخلوا مصر قديما على يد عمرو بن العاص.
الحقيقة أن جيش المسلمين كان يدخل بلادا كثيرة وبمجرد انتصاره وتوطيد قدمه في بلد ما يترك فقط قوات محددة للتأمين بينما يتحرك الجيش لمزيد من الانتصارات في بلدان أخرى.
قد تتنتقل بعض القبائل العربية للبلدان التي تم السيطرة عليها ولكن لا اعتقد أن عدد سكان شبه الجزيرة العربية كان بالملايين وأنهم انتقلوا بالكامل لمصر وحدها دون باقي البلدان التي كانت تحت سيطرة الدولة الإسلامية حتى يتمكنوا من صبغ وإبادة المصريين القدماء ونسلهم وتحويلهم إلى سلالة جديدة.
إن ما حدث هو أن بعض القبائل قد تكون انتقلت لمصر والشام وشمال أفريقيا وغيرها من الدول التي كانت تحت الحكم الإسلامي ولكنهم لم يشكلوا في أي من هذه المجتمعات سوى نسبة لن تزيد عن 5% من نسبة السكان.
نأتي إلى المجتمع المصري فالمصريين عموما لا يميلون للزواج من جنسيات أخرى بل ولا حتى من محافظات أخرى وفي صعيد مصر والقرى بوجه بحري والذين يشكلان 80% من حجم سكان مصر لا يزال هناك تقليد أن البنت لا تتزوج من خارج العائلة وغالبا تتزوج بابن عمها، حفاظا على الأرض والمال، وحتى عصرنا هذا لا يزال زواج الأقارب يشكل نسبة كبيرة في القرى والصعيد، حتى أنني أعرف صديقة من النوبة من أسرة متعلمة وأخيها أستاذ بالجامعة رفض حضور زفافها لأنها تزوجت من القاهرة وهذا في عرفهم جريمة.. فمن أين جاء نسل العرب المزعوم.
ثانيا المصريون لا يتكلمون العربية بل إنهم كعادتهم تحايلوا على فرضها عليهم من قبل الحكام العرب وتحدثوها بالمصرية والدليل على ذلك أن الأجانب ممن يتعلمون اللغة العربية عندما يأتون لمصر لا يستطيعون التواصل لأننا لا نتحدث العربية فالمصري يقول” عربية وليس سيارة، جزمة وليس حذاء، مية وليس مياه أو ماء…..” وهكذا فلا يوجد من اللغة العربية في حديثنا إلا القليل بل إننا لانزال نتحدث الكثير من المصطلحات المصرية القديمة كما هي ونطلق المسميات الفرعونية على أمور كثيرة في حياتنا.
المصري لا يزال يحتفل بالحصاد وإن تغير شكل الاحتفال، ولا يزال يحتفل بشم النسيم بنفس المراسم، لا تزال الفلاحات تحمل الآنية كما حملتها جداتها قديما فوق رؤوسهن في مشهد تعجز أرشق عارضات الأزياء على تجسيده، لا يزال النجار أو الحرفي يضع القلم خلف أذنيه أسوة بجده المرسوم على المعابد.
حتى الأعياد الإسلامية فقد صبغها المصري بصبغة مصرية فمولد النبوي والاحتفال به بمراسم الاحتفال الشهيرة كحلوى المولد وتوزيع الشربات لن تجده إلا في مصر، وفانونس رمضان وأجواء الشهر الكريم لن تجد مثيلتها في أي دولة في العالم، فلي صديقة من إحدى الدول العربية عندما بدأ رمضان ذهبت لشراء الفوانيس حتى تهديها لأفراد أسرتها وأقاربها عند العودة لبلادها لأنه لا يوجد فوانيس عندهم.
أما عن قدرات المصريين ومقارنتها بقدرات المصريين القدماء فهو أمر يطول الحديث عنه ولكني سأكتفي ببضع نقاط.
عند بناء السد العالي حكى أحد الخبراء الروس المسئولين عن بناء السد في مذكراته أن الحفار الروسي تعطل وبعثت روسيا مجموعة من المهندسين الروس لإصلاحه وهم الذين سبق وصنعهوه بأنفسهم فأجمعوا أنه لابد من استبداله فهو غير قابل للإصلاح، ليستيقظ الخبير الروسي على مشهد يبدو من بعيد وكأن الحفار يتحرك فجذب منظاره المكبر فإذا به يرى العمال المصريين الذين بالكاد يعرف أفضلهم القراءة والكتابة على استحياء يقفون فوق الحفار وكأنهم نمل منتشر، فذهب للموقع وسأل ماذا يحدث فأخبروه أنهم يحاولون إصلاح الحفار.. هنا تأكد للخبير الروسي أنهم مجانين وتركهم وذهب ليفاجئ بهم يستطيعوا تشغيل الحفار الذي عجز صانعوه عن إصلاحه ويُستكمل بناء السد بالحفار الذي استخرجت له روسيا شهادة وفاة بعد أن أحياه المصريون.
في مشهد ثاني قريب أغلقت السفينة إيفرجين المجرى الملاحي لقناة السويس وأجمع الخبراء من كل دول العالم أن الأمر قد يستغرق ستة أشهر لإعادة فتح المجرى الملاحي وتعويم السفينة ليفاجئ العالم أن عامل مصري يركب حفارا صغيرا استطاع تعويم السفينة الجانحة في ستة أيام.
حكايات وحكايات لن تنتهي عن معجزات المصريين الذين إذا أمنوا بأمر وأصروا عليه نجحوا فيه مهما كان مستحيلا، وأنا على يقين لو آمن المصري الموجود حاليا بأهمية الهرم كما آمن جده من قبل لاستطاع بناء هرم جديد يجعل العالم في دهشة من ضعفه أمام قدرات المصريين.
نحن مصريون وسنظل مصريون مهما تكالبت علينا الظروف والأوضاع.. نحن المصريون الذين لا نغادر أرضنا ولا نتركها إلا مضطرين ونظل نشتاق إليها مهما كانت العودة قاسية بل إن المصري يحلم بأن يُدفن في أرضه ووطنه.. نحن الذين لم نترك بلادنا ونلجأ لأي مكان مهما اشتدت الحرب أو العدوان بل إن المهاجر مننا قد يختار العودة للدفاع عن بلاده.. نحن الذين عانينا من الجهل والفقر والبطالة لسنوات طويلة وأحيانا قرون ومررنا بأحلك الظروف ولا تزال عقولنا كل يوم تُكرم في العالم في شتى المجالات.. نحن القادرون على خلق الأمل من رحم اليأس.. فنحن أبناء الأرض التي وُجدت أولا قبل أن يوجد العالم.. وإن حاولوا طمس هويتنا ماتوا بحسرتهم.. فجيناتنا لا تموت وملامحنا تشهد عليهم وتفضح كذبهم أمام الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.