سنية الحسيني تكتب | عن تصفية “الأونروا” ومؤامرة التهجير

0 86

أعلنت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية الموالية على رأسها بريطانيا وكندا وإيطاليا وأستراليا وفنلندا تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، إثر مزاعم إسرائيلية بمشاركة 12 موظفاً من موظفيها في عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر الماضي. وأثنى يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية على قرار هذه الدول بقطع تمويلها عن «الأونروا»، مشدداً على ضرورة إنشاء منظمة بديلة، ومكرراً الاتهامات التي طالما استخدمتها حكومة الاحتلال لشيطنة المنظمة الدولية، باتهامها بالتعاون مع حركة حماس وترسيخ الكراهية عند الأطفال الفلسطينيين. وجاء قرار «الأونروا» السريع بإنهاء عقود 9 من موظفيها، قبل انتهاء التحقيقات، لتطويق الاتهامات الموجهة اليها، الأمر الذي يشير لمحاولاتها تجاوز تلك الأزمة لشعورها بمدى خطورتها على مستقبل وجودها واستمرارها، في ظل هذه الحملة الخطيرة الموجهة ضدها. ورغم أن العلاقة بين الاحتلال ووكالة الغوث لم تكن ودية طوال السنوات الماضية، وواجهت العديد من التحديات في الماضي، إلا أن حيثيات الصدام وتوقيته هذه المرة يحمل أبعاداً جديدة، ترتبط بمهمة ودور «الأونروا» الضروري في غزة خلال هذه الحرب المدمرة، كما يتعلق أيضاً بأهداف ومخططات الاحتلال من الحرب التي تسببت حتى الآن في تهجير معظم سكان القطاع عن منازلهم، ودعوات الاحتلال لتهجيرهم إلى خارج القطاع أيضًا.
خلال الهجوم الإسرائيلي الدموي المدمر الحالي على غزة، والذي يقوم في الأساس على استهداف المدنيين، وتهجيرهم، يبقى دور «الأونروا» معطلاً لتحقيق تلك الأهداف. لم تخف إسرائيل موقفها من «الأونروا»، فصرح يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، أن حكومة الاحتلال ستعمل على منع الوكالة من العمل بعد الحرب، خصوصاً في ظل وجود قرار الجمعية العامة رقم 74 / 83 لعام 2019، بتمديد تفويض «الاونروا» حتى العام 2023. وجاء ادعاء الاحتلال الأخير بمشاركة 12 موظفاً من موظفيها في عملية طوفان الأقصى، من بين أكثر من 30 ألف موظف آخرين يعملون لخدمة الفلسطينيين، والذي استُشهد من بينهم 142 موظفاً في هذه الحرب الجارية حالياً في غزة، في خضم كل تلك التطورات، ليعكس النوايا المبيّتة للاحتلال. وجاء الادعاء الأخير بعد ساعات فقط من رفض محكمة العدل الدولية مطالب إسرائيل بإسقاط دعوى جنوب إفريقيا، ومطالبتها باتخاذ تدابير فورية لوقف استهداف المدنيين، في إحراج كبير لدولة الاحتلال، واتهام بإيذائها للمدنيين. وكانت الوكالة قد قدمت تقريراً حول هجوم إسرائيل الحالي على غزة اعتبر أن «القصف المستمر تسبب في نزوح عدد كبير من السكان، الذين أُجبروا على مغادرة بيوتهم، إلى أماكن ليست آمنة، الأمر الذي تسبّب بتضرر أكثر من مليوني فلسطيني، ناهيك عن الأضرار النفسية والبدنيّة، كما أن أطفال غزة يشعرون بالرعب». واستخدمت المحكمة ذلك التقرير للوكالة، في القضية التي تنظرها ضد إسرائيل، بشأن ارتكابها جرائم إبادة جماعية في غزة.
لا تعد سياسة التشكيك الإسرائيلية بمصداقية الوكالة بالجديدة، فقد شككت فيها أكثر من مرة من قبل، كما أنها اتهمت وكالة الصحة العالمية بدعم «الارهاب»، في إشارة لحركة حماس، ومحكمة العدل الدولية بمعاداة السامية، كما شككت بمصداقية المحكمة الجنائية الدولية، بعد قرارها بوجود تخصص للمحكمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إلا أن خسارة «الأونروا» للتمويل قد يؤثر على جوهر عملها، خصوصاً في ظل هذه الظروف الخطيرة في غزة، فـ 90 في المائة من ميزانيتها يأتي بشكل أساس من التبرعات الطوعية للدول، وأهم تلك الدول المتبرعة الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، والذين أخذوا موقفاً فورياً بعد ادعاءات الاحتلال الأخيرة بوقف التمويل عن الوكالة. يحتاج الغزيون اليوم لوجود «الأونروا» في غزة، في ظل الظروف المعقدة التي يعيشونها، رغم صعوبة عملها وممارسة مهامها، وهي الجهة الأهم التي يمكن أن تعمل كوسيط بين خارج غزة وداخلها، لإدخال المساعدات وتنظيم توصيلها والحد من الاضطرابات المصاحبة. ويبدو أن نية إسرائيل استغلال الظروف القائمة للتخلص من دور الوكالة في غزة، يرتبط بنيتها في المضي قدماً بتحقيق مخططاتها بالتهجير، وإبعاد الوكالة الدولية من الطريق، في ظل اشتداد الحرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.