علي يحيي يكتب | كيف واجه المصرى القديم التغيرات المناخية

0 296

عاشت الآثار المصرية آلاف السنين تحافظ علي وجودها، وتحمل بين جدرانها عبقرية المصرى القديم ، الذى ربما لم يضع في حساباته مقدار قدرة ماشيده علي الصمود دائماً ، خاصة أمام موجة التغيرات المناخية المفاجئة ، التي تضع اليوم تراث العديد من البلدان ، وبينها مصر ، أمام تهديدات خطيرة سواء بالانهيار أو التلف الذى يمكنه أن يتخطي حدود الزمان والمكان .
ولكن في البداية هل عرف المصريين القداماء التغيرات المناخية؟ وماذا فعلوا لمواجهتها عبر آلاف السنين؟
مصر مهد الحضارة الإنسانية، ولأنها أم التاريخ وصاحبة المدونات الأولي علي أحجارها ، فإنها قد تعرضت لتغيرات مناخية كبيرة ، ساهم بعضها في اذدهار الحضارة المصرية القديمة، وأتي بعضها علي عصور وأزمنة مختلفة تسببت في ارتباك تاريخي وانساني حول عدد من القضايا .
فلقد تأثرت الحضارة المصرية القديمة بالتغيرات المناخية ، ولعبت العوامل البيئية دوراً مهماً في تطور حياة المصرى القديم الذى عاش فوق الهضبة الشرقية هرباً من الأمطار ، وعندما بدأت تجف ويتوقف معها نمو النباتات ، هبط إلي الوادى بحثاً عن الطعام وعمل في الزراعة .
فكان المصرى القديم أيضاً يراعي المناخ والتغيرات الخاصة به عند بناء بيته لذا صنعه من المواد صديقه للبيئة ، سواء الطوب اللبن أو الخشب أو جذوع النخل
وثقت لوحة المجاعة موجات الجفاف التي تعرض لها نهر النيل وقد نتج عنها انخفاض في منسوب المياه مما أحدث ثورات اجتماعية بعد وفاة كثيرين ، وتغير النظرة الي الحاكم والمعبود بسبب عدم قدرتهم علي فعل أى شئ عندما جف النيل
ففي عهد سونسرت الثالث شرعت مصر في تأسيس نقاط التفتيش لتحسين عملية توزيع المياه بعد حدوث مجاعة جديدة تمت السيطرة عليها من خلال بناء سد اللاهون في الفيوم
وواجهه المصرى علي مدار عصوره التاريخية التغيرات المناخية ويمكن التعرف علي مصادر التغير المناخي من خلال الوثائق التاربخية وسجلات مقياس النيل بالروضة الذى يعد من أهم مصادر التعرف علي التغير المناخي منذ القرن السابع الميلادي
وفي عصرنا الحالي آثرت التغيرات المناخية علي الآثار المصرية والتراث بصفة عامة
فلقد حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة ” UNEP ” من خطورة عوامل التغير المناخي والزيادة السكنية علي آثار مصر الفرعونية واوضح أن الكنوز الذى تعود الي آلاف السنين ستعثر علي عدوها الحقيقي بعد ان ظلت صامدة علي قد الحياة وسط كافة العوامل البشرية
رئيس مجلس وزراء بريطانيا “جونسون” قال إن مدينة الاسكندريه ضمن المدن الساحلية المهددة بالغرق والانهيار فبدا التحرك من قبل وزارة السياحة والآثارو وزارة البينة بإنشاء حائط أمواج بطول ٥٢٠ م بأوزان تتراوح بين ٣_ ٢٠ طن بالإضافة الي انشاء مرسي بحرى بطول ١٠٠ م ومشاية خرسانية بطول ١٢٠ م بالإضافة ايضا الي المتابعة اليومية لمعالجة اى ظواهر تلف تظهر علي جدران قلعة قايتباى وتقوية أحجارها بفريق من المرمين الآثريين كما اتجهت الوزارة الي مشروع ترميم صخم
لحصن بابليون ، هرم سقارة ، معبد أبيدوس ، معبد دندرة ، سور مجرى العيون، قبة الامام الشافعي
مما يؤكد ان عملية الترميم السريعة ستعمل علي الحفاظ علي الاثر من تلك الظاهرة الطبيعية بالاضافة الي تقليل التكلفة فإذا فرضنا ان تكلفة ترميم الاثر جنيه فقط فبعد ٥ سنوات سيتكلف عشرات الجنيهات ولم يرجع لحالته الطبيعية
ففي ظل التغير المناخي اليومي الذى تشهده مصر نؤكد بما لايدع مجالاً للشك بأن خطر تغير المناخ علي الآثار المصرية سواء كان في آثار مصر القديمة أو المسيحية أو الاسلامية سيكون قاسياً اذا لم نسرع في اتخاذ اجراءات الحماية والوقاية .
ولذلك هذا مانطالب مناقشته داخل مؤتمر الأطراف قمة المناخCOP27 ضرورة مطالبة منظمة اليونسكو بسرعة التدخل لحماية التراث الثقافي من أخطاء التغير المناخي ، وخاصة التراث العالمي في مصر ، الخاضع لاتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي باليونسكو لسنة 1972 ، المعنية بصون وحماية التراث العالمي المشترك من الأخطار والتهديدات وحفظه للأجيال القادمة
خاصة وأن الاتفاقية لم تدرك تمام الادراك الخطر الكامن في تغير المناخ علي ممتلكات التراث العالمي ، ولم يرد في بنودها هذا النوع من الأخطار التي لم تكن معلومة في سبعينات القرن الماضي عند اقرار الاتفاقية مما يستوجب علي منظمة اليونسكو والدول الأعضاء ضرورة اعتماد برتكول اضافي لاتفاقية الدولية خاصة بحماية التراث الثقافي والطبيعي من مخاطر التغير المناخي.
وفي النهاية عزيزى القارئ ان التراث هو تراثنا عن الماضي ومانعيشه اليوم وننقله الي الاجيال القادمة والتي يمكننا الاستغناء عنه ، وخصوصاً أن مواقع التراث هي ملك للبشرية جمعاء بغض النظر عن مكان تواجدها مشيراً الي أن خصائص التراث العامي ستتأثر بالتغير المناخي ويجب الحفاظ عليها بإدراك التهديدات وتحديد الاستجابة المناسبة عليها فأهمية التراث الثقافي ليس فقط لكونه عامل اقتصادى لصناعة السياحة ، بل لأنه أيضاً رابط للنسيج الاجتماعي ، حيث أنه يربط بين المصريين كشعب ذو أصل مشترك وبذلك فهو يتجاوز الانقسامات الاجتماعية الحديثة التي قد يحدثها الاختلاف في الدين أو الجنس أو الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية لذلك نتعامل مع قضية التغيرات المناخية بإهتمام كبير ، وتبين تطورتها علي مصر أولاً ثم علي المنظقة وعلي مختلف دول العالم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.