محمد رياض اسماعيل يكتب | حرية الفكر بحاجة إلى تشريع

0 179

نحن نرى هذا الكون الفسيح من مجموعتنا الشمسية التي تبدو فيها الأرض أصغر من راس الدبوس على شاشة التلفاز، ففي هذا الكون الواسع المظلم ظلاما دامسا، يشق الانسان طريقه لاكتشاف محتوياته. نحن البشر في الغالب نؤمن باننا مخلوقات من قبل إله مقتدر وآخرين يؤمنون باننا صنيعة اقوام تسبقنا في القوى العقلية الخارقة بمليارات السنين يسمونه “المصدر”، والبعض يؤمن بأننا جئنا من العدم، وهكذا تختلف التفاسير وتُسَوق الأدلة سواء بالأساطير او بالأسانيد العقلية والمنطقية او بالتجارب العلمية، كُلٌ يدافع عن رؤيته ويحاول ان يدحض الآخر، ولا يجرؤ أحدهم ان يمس الحقائق العلمية، بل يحاول ان يكيف نصوص فكرهم ومعتقدهم الى ما يستقيم مع تلك الحقائق العلمية! لكن الامر المُسلم به هو ان الانسان المفكر ارتقى في المعرفة عصراً بعد عصر وفي أيامنا هذه جيلا بعد جيل. فمنذ ان بدأ رحلة الانسان على الأرض، وهو يمشي حذرا ببطء شديد وتأني ليرى ما يحيطه ويفكر في محتواه ثم يوجِد لنفسه وسائل يبقيه على قيد الحياة، وكلما انتبه وفكر وأدرك، اوجد وسيلة معينة تسهل حياته ويزيد معرفته عن الأرض والوجود، فأوقد الانسان الاولي شمعة في وسط الظلام الدامس، ليرى في نور ما اوقد صورة واضحة لمساحة صغيرة مما يحيطه، فأصبح مُنشغِل الفكر في ماهية الأشياء التي تحويها تلك المنطقة المنورة، يفسر مكوناتها وفوائدها، وحين يعجز يؤلف الاساطير والخرافات حولها.. ثم توالت الأجيال في المسير، عصرا بعد عصر، وفي كل عصر كان الانسان المفكر ينير شمعة لتزيد مساحة الرؤيا لديه، ويزيد عدد الشموع الموقدة شمعة جديدة أخرى. وبذلك أصبح متنورا بجزء أكبر من الأرض ومحتوياتها، كما صار يمضي بخطى أسرع من ذي قبل ويجري من وراءه الناس بالجاهل وانصاف المتعلمين. كان الانسان المفكر يجري قُدُما وفي نفس الوقت يجادل فيما توصل اليه سابقا بشأن مكونات المناطق المكتشفة، ويحاول إيجاد تفاسير منطقية أكثر قبولا في سلسلة تجاربه الفكرية الحياتية وصولاً الى كمال البَينة. زادت عدد الشموع التي اوقدها الانسان المفكر عصرا بعد عصر وزادت معها المساحات المنورة على الأرض، وزادت مدى رؤيته ونضجت تجاربه، وأصبحت التجارب تأخذ منحىً علميا أكثر من الاستنتاجات المنطقية، ليؤسس الى القواعد العلمية بعد ان أصبحت خطواته في المسير واسعة وسريعة على ارض منورة، لا يخشى من الظلام الذي بات ينحسر شيئا فشيئا.. توالت ايقاد الشمعات ولايزال الانسان المفكر يصبوا لهدفه بخطى سريعة للغاية، ليهتدي الى الرؤيا المتكاملة وسط الخرافات التي تجرها الفئة المتخلفة لتحييده عن خط الفكر التنويري وتبطئ زخم اندفاعه، كون تلك الفئة المتخلفة تمثل الغالبية التي تدين للملوك المنتفعين من تخلف شعوبهم، تلك الفئة التي حاربت ولاتزال تحارب المفكرين الاحرار بدواع انانية شخصية انقيادية انتفاعية مستسلمة للخرافات بهدف كسب راحة البال والأمان والتقدير الاجتماعي، فتحاول إطفاء الشموع التي اوقدتها البشرية عبر مسيرة 3،5 مليون عاما من تواجده على سطح البسيطة، والعودة بها القهقري الى مرحلة الظلام، بعد تلك الرحلة المضنية من مسيرة الانسان.. وكلما فجر المفكرين من العلماء اكتشافا علميا او مخترعات جديدة، كلما تمكنت من ركل تلك الضحالة البائسة، تلك التي أصبحت تفكر في التبرير والتكييف لإثبات صحة عقائدها وفق تلك المستجدات العلمية، أكثر من بحثها عن التحرر الذي يخرجه من جنة الأمان الزائف الذي يظن انه ينعم به في حياته وبعد مماته ايضا! البشرية في عصرنا تخطوا خطوات أسرع رغم قوى الظلام المُخَدَر التي تسعى لإطفاء الشموع وإيقاف عجلة التطور بدلا عن معاصرة معطيات زمنها الراهن، لكنها ستنجرف بقوة الدلائل الفكرية المتطورة، تلك الشموع التي تحولت الى انارة ضوئية لا يمكن اطفائها بنفخة الجهل والتخلف. وهكذا ازدادت عدد الشموع التي اضاء بها الانسان المفكر عالمه وخرج الى العوالم التي تبعد عنه بسنوات ضوئية. نعم نحن لانزال لم نكتشف خوارزمية وجودنا ووجود الاحياء والجماد من حولنا بصورة متكاملة، الا اننا نؤكد بانه باتت المساحة المنورة في الكون أوسع من ذي قبل. ورغم تواضع المعرفة المتكاملة، لكن مسيرة التنوير أصبحت أسرع بكثير عن سابقاتها، فمرحى بمن يوقد الشموع، ويسعى لإرساء القواعد المتينة للحفاظ على المفكرين والعلماء وحصانتهم من كيد ودسائس أولئك اللذين يقبعون في الظلام الفكري ويشحطون للحاق بموقدي تلك الشموع ويقعون في النهاية بعد ان ينهك الشحط قواهم..
العالم بحاجة الى قوانين جديدة تُجرِم من ينتهك الفكر الحر ويُحرِم المساس بأمن العلماء والمتنورين. ويجب على البشرية الواعية ان تخلد ذكر كل من اوقد شمعة في مسيرة البشرية بفخر وإجلال واعتزاز، وتلعن من يحاول اطفائها واخراجنا الى عالم الظلام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.