محمد رياض اسماعيل يكتب | ما السبيل إلى التنوير

0 473

التنوير، كلمة تسمعها بكل اللغات، هي الأساس لترتيب البيت النفسي للإنسان، وبناء الشخصية القويمة، تلك التي ترقي المجتمع وتنتشله من الجهل والشعوذة.
التنوير لا يكون بالادعاء وهو ليس خصلة شخصية، فالذي يدعي بانه متنور ليس بمتنور، ان الانسان يدعي لنفسه كل القيم التي تُحمَد في المجتمع، وفي الوقت نفسه يبرئ ساحته من كل الصفات السيئة كالغرور، فهل يعقل ان يقول شخص مغرور عن نفسه بانه مغرور؟ لكن البشر تدعي الصفات الحميدة والنبيلة والنباهة والفطنة في الوقت عينه، تماشيا مع تقدير المجتمع لقيمة هكذا صفات. هذه خوارزمية صممت كأساس لوظيفة العقل البشري في الحفاظ على صاحبه وحمايته بكل طاقته، ويهدف في النهاية للسعي لبقاء النوع البشري منذ تواجد الانسان على الأرض، خصوصًا في المجتمعات التي تقدر القيم.
التنوير عملية مرتبطة بالزمن، والتنوير متشعب الخصوص، ويفترض ان نسأل المتنور، باي خصوص قد تنور؟ لنتناول ذلك بعقلانية، انا مثلا اقول بأنني متنور بعلاقتي مع الاخرين، اي ان لي صور عن الاخرين، وهي وقعت في عقلي لسنوات عديدة وكونت فكرة عنها، والاخرين يفعلون نفس الشيء معي. ثم تنشأ هذه العلاقة بيننا. حين اقول بأنني متنور عن العنف، يفترض ان أكون متنورًا على كل مسيرة العنف، ارى نشوئه وتطوره، أرى كيف يبدو الحزن الناجم عن العنف، لذلك تنورت، فانا متنور عن العنف. فالتنوير عملية مرتبطة بالزمن. للتفريق بين التنوير والاضاءة الداخلية نتناول الاتي:
التنوير عملية تدريجية للخبرة والمعرفة والجري الثابت في مسيرة الشخص من الماضي الى الحاضر ثم الى المستقبل، اذن السؤال هو: هل ان التنوير (اعلى مرتبة للارتقاء)، هو مسألة وقت اي مرهون بالزمن؟ هل هي عملية تدريجية اي عملية تطور تدريجي؟ إذا كان كذلك، اذن وجب ان نفهم طبيعة الزمن او بمعنى اخر فهم الهيكل النفسي الذي يتقبل الزمن، كأن تقول انا لدي امل وطموح ان أصبح كذا وكذا، فالرغبة التي هي جزء من الآمال والطموح ستقول يجب أن تصبح كذلك. ان تضئ ظلام النفس وتبصر طريقك للمضي بينها الى الهدف. مثل الغرفة المظلمة، التي تحوي موجودات ونفائس التحف لا تراها، والاضاءة تجعلك ان ترى اشكال الموجودات ومواقعها، ثم تبصر الطريق لتنظيم البيت وتتنور على المسارات السليمة وتدرك دالة وقيمة تلك النفائس، ثم تمضي دون ان تحطم الموجودات والتحف الثمينة، لأنك متنور بكل مفرداتها عبر الخبرة والمعرفة الكفيلتين بالزمن.
المتنور لا يدعي بانه تنور آنيا ولحظيًا! فاذا قال ذلك فهو غير متنور ومشعوذ، لان التنوير يحتاج الى المعرفة عبر الزمن، أي ينمو في العقل تدريجيًا مع الزمن لحين النضوج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.