محمد زكريا توفيق يكتب | طيور تقيم الأفراح للزواج (٢ – ٢)

0 275

نأتي الآن إلى طائر التعريشة الفنان، الجنايني ذي الرأس البرتقالية والمعروف علميا ب (Amblyorrnis subalaris). يعيش في الغابات الجبلية بغينيا الجديدة. عندما يأتي وقت الحب والزواج، يبني الذكر كوخا صغيرا عل الأرض. كوخ لأن له سقف عازل ومدخلان دائريان، مصمم كملتقى للعشاق. بين المدخلين، تجد الأرض مفروشة بالألوان والزهور الباهرة والتي تبدو على شكل الفسيفساء.

أمام مدخل الكوخ، تجد حديقة معتنى بها، مفروشة بالزهور ومحاطة بصور من الفاكهة الحمراء والصفراء. صالة الأفراح هذه هي الأجمل بين كل ما صنعته الطيور حتى الآن.

من عادة هذا الطائر، هو عرض مقتنياته الثمينة على بساط من الحشائش والطحالب الجافة الداكنة. مثل الجواهرجي يعرض مجوهراته على قماش قطيفة داكن لكي تبدو المعروضات في أوضح وأبهى صورة.

هذا الطائر فنان يحب التنسيق والنظام. على اليسار، تجد مجموعة من هياكل الخنافس الزرقاء اللامعة. على اليمين، تجد أصداف قواقع زرقاء. المجموعتان منفصلتان عن بعضهما بخط من الزهور الصفراء. ترتيب الأشياء على البساط مذهل.

العلماء الذين قاموا بدراسة هذا الطائر، ومنهم “إيفن سيلمان”، يقولون أن الطائر يظل يحوم حول صالة أفراحه، يبحث عن طريقة لكي يحسن بها شكل بنائه. ومتى خطرت بباله فكرة، قام بتنفيذها في الحال. هو يلتقط الزهرة بمنقاره ويضعها داخل الكوخ كقطعة فسيفساء. ثم يطير لكي يشاهدها عن بعد. إنه يفعل ما يفعله الرسام التشكيلي عندما يرجع للوراء لكي يشاهد عن بعد ما قام برسمه في حينه.

لكن صديقنا الطائر الفنان يرسم بالزهور. زهور الأوركيد الصفراء لا تبدو له أنها في المكان الصحيح. إنه يحركها قليلا جهة اليسار أو اليمين، ثم يضعها بين بعض الزهور الزرقاء. يظل كذلك حتى يرضى عن عمله كلية. يفعل نفس الشئ بالنسبة لسور الفاكهة ذات الألوان النضرة.

عندما تقترب الأنثى، يدخل الذكر داخل الكوخ ويأخذ في الغناء الصداح. الأنثى تتردد وهي تفحص زينة الكوخ وديكوراته الداخلية وسور الحديقة المبني من الفاكهة. بعد الغناء، يأخذ الذكر في الرقص نافشا ريشه الأحمر المختفي تحت ريشه العادي.

ثم يندفع في لمح البصر خارجا من الكوخ ويدخل من الفتحة الأخرى. يظل يغني ويرقص. في البداية تتراجع الأنثى خائفة، لكن بالتدريج تتبع الذكر . أخيرا يرقص العروسان معا حتى يتلامسان. ثم يختفيان معا في الكوخ ويتم الزواج، وبالرفاء والبنين.

لكن السؤال هو، ماذا يدور في خلد هذا الطائر وهو يبني ويزوق تعريشته وصالة أفراحه؟ وهل لهذا السؤال إجابة؟ الجواب هو بالطبع لا. لأنه لا يوجد لدينا حتى الآن طريقة لمعرفة وعي وطريقة تفكير كائن حي آخر. أنا لست طائرا حتى أعرف كيف تفكر الطيور.

بعض الناس مقنعة تماما أننا نختلف عقليا عن باقي الحيوانات، وأن الإنسان وحده بينها هو القادر على التفكير. وأن الطائر يفعل ما يفعله بحكم الغريزة والاختيار الطبيعي ليس إلا.

لكن هناك من لا يؤمن بهذه النظرية. ما يفعله طائر التعريشة يشبه إلى حد كبير سلوك الإنسان. وإذا رجعنا إلى بداية نشوء العقل والإحساس بالجمال في عالم الكائنات لاستفدنا الكثير من سلوك هذا الطائر الرائع.

طائر التعريشة، بجانب الإنسان، ليس الوحيد بين الكائنات الذي له مثل هذا السلوك. قرود الشمبانزي مثلا، تعي نتيجة أعمالها، هي أيضا تتذوق الفن وتشعر بالجمال. هذا يظهر عندما نحاول تديبها على استخدام الفرشاة والألوان. إنها تستمتع بما تفعله بدون شك. يا عزيزي كلنا إخوة وأخوات في هذا الكون الرائع. وليس هناك ما يدل على غير ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.