عادل الباجوري يكتب | في سرادقات العزاء

0 646

ما يحدث في سرادقات العزاء هذه الأيام شئ لا يقبله عقل ولا يرتضيه منطق وهو مناف لتعاليم الإسلام بالرغم من أن الحدث نفسه مدعاة للتأمل في أحوال الدنيا الفانية ومراجعة النفس وما إن كانت تنهج النهج القويم من عدمه لأن هذه الخطوة لا محالة قادمة ( إنك ميت وإنهم لميتون ) ( كل نفس ذائقة الموت ) صدق الله العظيم إسراف وتجاوز حدود المعقول وإستحداث ما لا يمت للإسلام بصلة وكل مظاهر الترف والتفاخر والإسراف المفرط عبارة عن موجة عاتية تضرب كل الأوساط الإجتماعية إلا من رحم ربي وهي بالفعل مشكلة لا بد من الوقوف علي أسبابها وإيجاد الحلول التي تقينا عواقبها أعقتد أن مشكلة سرادقات العزاء أركانها ثلاث .
أولا ) أهل المتوفي ومنهم صاحب الحال الميسور الذي يستطيع الإنفاق علي تلك الليلة المبالغ الطائلة وهذا شأنه وهناك صاحب الحال المتوسط الذي ينفق بقدر معين حسب قدرته المادية وهناك الفقير الذي لا يملك في كثير من الأحيان ثمن مقبرة أو تكاليف الدفن وكلهم يجرون أو يساقون إلي هذا الأمر جراً ويستدين معظمهم لإتمام هذا الأمر وفي كل الحالات ربما كان هناك يتيم بحاجة لهذه الأموال ويتوازي مع ذلك أمر المتوفي الذي هو بحاجة للتصدق عليه لأنه لا يعود عليه شئ مما يحدث في ليلة العزاء إلا من دعوة خالصة وأعتقد أن فقرات العزاء ليس بها وقت لذلك فهي تقام للتفاخر بإحضار قارئ معين وفراشة وأنوار وإذاعات وإعلاميون وخدمات …. الخ .
ثانيا ) سماسرة العزاءات الذين ساهموا في تعظيم تلك الظاهرة والإنتقال بها من حالة أو مناسبة لمواساة أهل المتوفي وقراءة القرآن والدعاء له في أول ليلة له في قبره وفي حالة أحوج ما يكون فيها لدعوة خالصة ، إلي حالة من الهرج الصريح بمعني الكلمة
ثالثاً ) قارئ همه الأساسي الحصول علي أكبر قدر من إنفعالات الحضور متجاوزا في حالات كثيرة أحكام التلاوة ، وصرخات وضحكات وكلام هنا وأحضان هناك وعتب هنا وقصص هناك فعلا تستطيع أن تسمي هذا المكان بقاعة إحتفال وليلة للسمر ليس سرادق عزاء ولا ليلة للمواساة وحقيقة الأمر فإن الجميع قد ساهم في الإنتقال من حالة خشوع لسماع القرآن وتدبر آياته وأخذ العظة من إنتهاء حياة إنسان وإنتقاله إلي حياة البرزخ والتفكير فيما هو آت سواء علي ما تركه المتوفي من أطفال وأرملة تختلف الظروف والأحوال من حالة لأخري أو الإعتبار وتذكير النفس بأنها ذائقة الحدث لا محالة كل هذا يتصور أنه الحاصل ولكنك تجد وتشهد وتعيش حال أخري مغايرة تماماً تجد الجميع في صورة غير ومهام أخري والمشهد بكل مكوناته وأطره ماهو إلا عرس أبطاله شيخ يقرأ القرآن ويحيطة مجموعة الألتراس الخاص به وكاميرات التصوير والبث المباشر ومعلق علي الأحداث يسمي تجاوزاً ( إعلامي ) يدلي بعبارات الإطراء والمديح والثناء ويوزع الألقاب والرتب والحظوات الإجتماعية ، علي كل من حضر بدءا من قارئ وشيخ مشايخ العالم العربي والإسلامي والإذاعات المصرية والعربية والإسلامية وتليفزيوناتها وكل الأقمار الصناعية ثم أهل المتوفي وأصدقائه والسادة الحضور وكل علي حسب مكانته وجوده وكرمه وعلاقاته فتجد معالي الباشاوات والباكاوات والعمد والشيوخ والمستشارين وكبار الأعيان وكبار عموم النواحي والدوائر والمديريات وبقدر ما يعطيه ( الإعلامي ) من زخم لهذه الليلة بقدر العطايا والغمذات ثم يطلق علي كل هذا ( مليونية ) في تكريم فلان . والسؤال هنا هل فعلا تم تكريم فلان المتوفي ؟ هل من فائدة تعود عليه في قبره ؟ هل ما تم هو جزء من حديث النبي صل الله عليه وسلم حين قال ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. من المستقيد من هذا البذخ والعجيب في الأمر أن هذه الظاهرة تطال الفقير أحياناً قبل الغني لم تستثني الظاهرة الأطفال الأيتام ، فهي تنهش من ورثهم بل ربما تترك عليهم ديون والدافع من كل هذا ربما يكون التفاخر ، العادات الإجتماعية ، سطوة السماسرة ، …. الخ
لابد من وقفة حقيقية تبدأ (أولاً ) من أهل القرآن وأركز هنا علي أهل القرآن هل جئت لتستعرض عضلات صوتك ؟ أم جئت لتقرأ عليهم ويدبروا آياته ( القرآن ليس للحفظ والتلاوة فقط ) هل من خشوع في حضور أهل القرآن وخاصته ؟ فالجبال تخشع وتتصدع للقرآن ، الملائكة تنزل من السماء لتستمع للقرآن ( حديث أسيد بن حضير ) القرآن غير الجن وأصبحوا دعاة ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) (الأحقاف 29-32)
( ثانياً ) من أهل الحكمة والرأي ثم من الكبار والوجهاء من كل بلد والعودة إلي أسس الدين وإعلاء القيم الإجتماعية الحقيقية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.