محمد كريم الساعدي يكتب | ما هو مسرح الشارع؟

0 105

إنَّ المنظور الذي نتناول فيه هذا المصطلح يأتي من كون (مسرح الشارع) غير متفق عليه بسبب عدم الارتكاز على المعنى الحقيقي المستقى من هذا المصطلح ، هل أن هذا المصطلح يعني المسرح ذو التوجه الخاص المختلف عن المسرح الذي يقدم في الأماكن الأخرى المغلقة أو المفتوحة لكونها محددة في بناية قد تكون سقوفها مفتوحة أو ما يشابه ذلك؟ أم أن المصطلح يطلق على التشابه الكامن بين عناصر العرض في المسرح عمومًا دون تحديد المكان الذي تقدم فيه العروض المسرحية؟ ومن ناحية أخرى، هل يأخذ هذا المصطلح حضوره المعرفي في أذهان الدارسين لهذه الظاهرة المسرحية في كون هذه العروض هي من أجل التسلية والمتعة من خلال الاستعراضات التي تقدم في أماكن مفتوحة مثل الاحتفالات بذكرى النصر ، أو الاحتفالات الدينية وغيرها؟
إنَّ الكتابات الجادة في هذا الموضوع قليلة نوعًا ما، أو موجودة بشكل مبعثر في عدد من المؤلفات التي لا تشير إلى هذا الموضوع بشكل مباشر. في تعريف لمسرح الشارع يرتكز فيه المعرّف على قضايا أخرى في الأداء المسرحي ذاته من حيث ربطه بمفهوم الارتجال دون تحديد الجمهور، كون الارتجال يأتي من طرفي المعادلة المسرحية في طبيعة التمثيل المؤدى ، وفي طبيعة الجمهور المشاهد للعرض ، في العادة يكون في المسرح التقليدي في أغلب الأحيان التمثيل يعتمد الأداء المسرحي المبني على التنظيم المسبق، أي البعيد عن الارتجال، وليس سمة عامة في المسرح التقليدي إبعاد الارتجال، لكن عادةً ما يكون العرض قائماً على نص وفكرة وأداء معيّن مسبقاً يقدم للجمهور، وفي هذه الحالة يكون الجمهور على علم مسبق في ما يقدّم من عرض مسرحي من خلال الإعلانات وعرض نبذة مختصرة عن الممثلين واسم العرض المسرحي، تكون العملية مهيئة مسبقاً بين الطرفين، لكن في مسرح الشارع تكون سمة الارتجال حاضرة حسب رأي المعرّف لمسرح الشارع بين طرفي المعادلة من حيث المجموعة التي تؤدي العرض والجمهور الذي يفاجئ بطريقة العرض وتكون لديه المشاهدة مرتجلة أيضًا، والقصد بالارتجال في المشاهدة عدم تقصد مكان العرض ولا طريقة المشاهدة ولا أمور أخرى متعلقة بهذا المضمون، لذا فإن مسرح الشارع يعرف بأنه: “أداء مسرحي يعرض في الأماكن العامة المُطلة على الهواء الطلق دون تحديد جمهور معين”.
يُعرف مسرح الشارع على أساس الغرض المستهدف من تقديم عروض مسرح الشارع، فهو لا يحدد طبيعة الجمهور المستهدف، أي يجعل الجمهور هو من يختار، لذا يعتقد من يضع هذا التعريف أن الجمهور وطبيعته ونوعه ليس شرطًا من شروط مسرح الشارع أن يكون محدد بفئة ما، أو طبقة ما، أو عرق ما، بل كل ما يكون حاضرًا في العرض هو مستهدّف، وهنا تكمن العشوائية في طبيعة الجمهور، كما أن الأفكار التي يتخذها العرض قد لا تكون فنية تنتمي إلى عالم الدراما التي ترتبط بالخيال والقصص التي ليس لها علاقة بالواقع اليومي، بل أن العرض يستهدف يوميات الناس حتى يكون قريبًا منهم في طرحه ووجوده، لذا فإن مسرح الشارع يعني: “كل عرض مسرحي يقدم في الشارع والساحات والأماكن العامة متخذًا من الناس الحاضرين عشوائيًا جمهورًا له، ومستلهمًا موضوعاته من الواقع اليومي بهدف إيصال أفكاره عن طريق المشاركة التفاعلية في العرض”.
إنّ من يحاول أن يقدمه مسرح الشارع عليه أن يعيد ترتيب الأولويات في الحياة اليومية لدى الأفراد من أجل أن يصوغها في تساؤلات أخرى أكثر وعياً من كونها أحداث تجري كل يوم بنفس الطريقة أمام الفرد ذاته ، وهذه الجزئية هي ما نعتقد أنها المقصودة في ما يتكرر من عبارة تقديم جزءاً من الحياة اليومية في مسرحي الشارع ، وهذه النقطة وغيرها سنحاول أن نناقشها من خلال التركيز على أهم ما خرجت به هذه التعريفات ، وما أغفلتها في تحديد مسرح الشارع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.