محمود أبو خضرة يكتب | فخ الكتابة التاريخية والأيدولوجيا السياسية

0 723

الأيدولوجيات السياسية هي مجموعة الأفكار والمعتقدات التي يلتزم ويتقيد بها رجال السياسة أصحاب “الأيديولوجيا الكيانية” وتُشكل تصرفهم في الوسط السياسي، فالأيديولوجيات السياسية نتاجاً للحراك البشري علمياً وعملياً وفكرياً، وقد مرت الأيديولوجيات السياسية بالعديد من الحقب التي تدافعت فيها الأفكار عبر العصور، فأصبحت الصراعات والحروب بالأفكار أعتى من السلاح.

يرد في بعض المصادر هذه المقولات: (إنَّ التاريخ يُكتب نتيجة هذه الصراعات والنزاعات، وأن الأيدولوجيات السياسية تُسيطر على صياغة التاريخ، وأن التاريخ يكتبه المنتصرون)، وهنا يجب أن نقف ونتسأل: هل يمكن أن يثق أحد في تاريخ يكتب على صراع قد وقع، ويُكتب وفقا لآرائه؟! ومن يحسم المعركة لصالحه؟!

قد يختلف أو يتفق البعض على هذه المقولات حتى تصل إلى سلسلة التشكيك التي لا تنتهي، ربما يصل التشكيك إلى سنوات الوجود الإنساني الأول على الكون، ومن هنا يتجسد مفهوم تشكيكي يبرر ما وجد وما توصل إليه لينتقده في سيطرة الأيدولوجيا على التاريخ، وفي الحقيقة أنه لا يوجد اتفاق تاريخي واضح يؤكد أصل وصحة هذه المقولات.

في إطار انتشار الأيديولوجيات التي تمجد للانتصار، انتشرت هذه المقولات في الثلاثينات من القرن العشرين، عندما كتبها أحد المنتصرون معلقا على نصرهم في الحروب والصراعات على الطرف الآخر، وذكرها لأول مرة رئيس الوزراء البريطاني ”ونستون تشرشل” ثم على لسان اليمني ”روبار برازياك” الذي اشتهر بمواقفه المتطرفة، حتى تعاظم لديهم الاعتقاد أن الانتصار سيبقي دومًا.

في الواقع إنَّ التاريخ موجود على هذه الأرض ما بقيت الأرض نفسها، والتاريخ لم يعد مقتصرًا على الصراع فقط، فهو علم ينتمي لفروع العلوم الاجتماعية والإنسانية ولا يخضع لقاعدة التجريب كما في العلوم التطبيقية، في ظل أن الأيدولوجيات السياسية متغيرة لانفتاحها على تطورات العالم، لذا عند كتابة التاريخ يجب استحضار المكونات الجغرافية والديموغرافية حتى تظل كتابته مهيمنه كقراءته.

الواقع الافتراضي والتطورات التكنولوجية دائماً ما تجعل الإنسان في احتياجات، وعندما يلبي الإنسان احتياجاته الأساسية يبدأ في صنع الحضارة والتاريخ، وذلك الواقع الافتراضي أيضا يفصل الإنسان عن موقعه وواقعه الجغرافي الذي نشأ فيه، كما يعمل على تفكيك الجماعات البشرية ومن ثم تفكك علاقات الدول ببعضها ببعض.

خلاصة القول إن الأيديولوجيات السياسية لا تصنع التاريخ، إنما يصنعه الجغرافيا والديموغرافيا، بعيداً عن الصراعات والتعقيد والتشكيك فيه أو محاولة تغييره.

 

* م. محمود أبو خضره، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.