ميثاق بيات الضيفي يكتب | استراتيجية الرياضة الناعمة (2)

0 365

الرياضة ليس لها خصوم ولا أحد يعارضها فهي عالمية ويعترف بها الجميع عندما يتعلق الأمر ببطولة كأس العالم فإن الجميع يهتم به بغض النظر عن الجنسية وتمحو الاختلافات بين أفراد الجمهور والسياسيين ويجري تنفيذها كدبلوماسية تقليدية وكوسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لدولة ما ولذلك هي وسيط قوي قادر على المساعدة في بناء العلاقات والتغلب على الاختلافات الثقافية والأخلاقية مع رسالة إيجابية مفادها أنها تشارك قيما مثل الاحترام المتبادل والتسامح والتعاطف والانضباط وتكافؤ الفرص وسيادة القانون، كما وتعتبر أداة أكثر فعالية في السياسة الخارجية من الجزرة أو العصا, فتستند إستراتيجيتها الناعمة على العمل الجاد الذي يتترجم عبر الإكراه أو تهديد الإكراه وبمساعدة المكافآت والحوافز من خلال توفير فوائد اقتصادية معينة والمطالبة ، كما إن لها جانبان على الأقل كجانب التقنية الإيجابية الذي يسمح بتحسين التفاهم المتبادل بين الدول والشعوب فهو وسيلة لتعزيز الإثراء الثقافي وكسياسة لتعزيز المصالح الوطنية دون التدخل في اتخاذ إجراءات مدمرة عدائية ضد العناصر الفاعلة الأخرى وفرض القيم الخاصة بها باعتبارها عالمية, وجانب تشويه خصومها جيوسياسيا والذي عبره يمكن أن تعكس المصالح المشتركة للدول والأمم المختلفة لتوحيد الجماعات المختلفة بغض النظر عن الأصل العرقي والاجتماعي والتقاليد التاريخية والأفضليات السياسية وكذلك تتشكل هي وكأنها مثابة للتأثير على الوضع في المجتمع والثقافة والسياسة والدبلوماسية, لذا يمكن عبر ذلك كله أن تعزز التحالفات القائمة كما ويمكن لها أن تؤدي إلى تفاقم النزاعات بين الدول وأيضا يمكن أن تكون بمثابة حافز للتنمية الاقتصادية وربما يمكن أن تكون أيضا بمثابة سلاح دعاية قوي.
وهنا لابد إن نؤكد إن الرياضة لم تكن ابدا خارج السياسة ولا يزال التاريخ يعرف العديد من الحالات عندما ظهرت كعامل في تحسين العلاقات بين الدول ومساهمتها في تطوير علاقات حسن الجوار بين الدول فهي لديها إمكانات إنسانية قوية فلذا يستوجب استخدامها بتوحيد جيش كبير من الرياضيين والمشجعين وممثلي الحكومات والأعمال التجارية ووسائل الإعلام كوسيلة فريدة لجذب انتباه البشرية إلى المشاكل العالمية بوضع برنامج ثقافي وتعليمي خاص ونشر لفكرة التنوع الثقافي والتسامح الذي ما هو إلا التجسيد المرئي للـقوة الناعمة للدبلوماسية الرياضية. غير انه وفي سياق التحديات السياسية وتحول النظام السياسي فإنها لا يمكن أن تبقى هي محايدة سياسيا وإن الدعوة إلى ترسيم الرياضة والسياسة لا معنى له لأن مثل هذه المسابقات والألعاب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة العالمية حتى أصبحت مراراً وتكراراً ضحية للتسييس والشوفينية والدعاية، وفي سياق الثورة الإعلامية والتواصلية اكتسبت الرياضة أهمية خاصة لتوفيرها فرصة فريدة للبلد المضيف لالعابها ولتعزيز صورته الخاصة في أعين المجتمع الدولي من خلال تقديمه بقصة ملوّنة وفي شكل إيجابي ومشروع بنية تحتية واسعة النطاق وتحميله لقناع القيم الإنسانية.
والأحداث الرياضية الدولية الكبرى ولا سيما الألعاب الأولمبية هي أهم المشاريع السياسية والاقتصادية كونها أكبر المنتديات وأكثر المنتجات الترفيهية الشعبية ما تمنح الدولة المنظمة الفرصة لتشكيل ولتحسين صورة السياسة الخارجية والسمعة الوطنية فتعمل الألعاب الأولمبية كأداة قوية “للقوة الناعمة” وإن الدول المهتمة بصنع صورة جذابة لمعارضيها الجيوسياسيين قد تتعمد تشويه المعلومات عن الألعاب من خلال تقديمها بوجوه ثانوية ولذا أصبح من الواضح أنه في ظروف التقنيات الرقمية الحديثة من الممكن إعداد أكبر مسابقة رياضية دولية على المستوى المناسب وفي نفس الوقت استخراج أقصى فائدة للصورة بسبب المزيد من الإجراءات النشطة في الفضاء المعلوماتي للاعبين المتنافسين, وعلى الرغم من استخدام الأولمبياد لأغراض سياسية إلا أنه من المستحيل إنكار أن للأولمبياد إمكانات هائلة لأجل تحقيق “القوة الناعمة” وهي ظاهرة اجتماعية فريدة تحمل مجموعة كاملة من الأفكار الإنسانية والتي تقوم على مسابقات رياضية سلمية ونزيهة وإن عقدها في بلدان مختلفة في كل مرة يمنحها أصالة مشرقة عبر المشاركين والمشجعين لإمكانية الإثراء المتبادل للثقافات وهي محفز قوي للتنمية الرياضية في جميع أنحاء العالم وتعزز أسلوب الحياة الصحية وتعزز التنمية الجسدية والروحية والأخلاقية للشباب كما إنها تعد من أهم العوامل الاجتماعية التي تسهم في توطيد السلام العالمي وتنمية العلاقات الودية بين الدول وأن أية سلطة تدعي أنها تتمتع بوضع عالمي أو إقليمي في السياسة العالمية هي ملزمة بوجود مجموعة أدوات “القوة الناعمة” والتي تشكل دبلوماسية الرياضة جزءًا لا يتجزأ منها لذا يمكن استخدامها لبناء علاقات حسن الجوار وكحافز للإثراء المتبادل للثقافات وتكثيف التبادلات الثقافية والإنسانية وحتى المساعدة في حل القضايا الدبلوماسية الرئيسية كوسيلة قوية للتلاعب السياسي والضغط على المنافسين الجيوسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.